جنبلاط يعيد تموضعه… استدارة كاملة أم عودة إلى دور “بيضة القبان” ؟!

بقلم حسين خليفة

منذ موقفه “المتمايز” من قضية المطران موسى الحاج، مرورًا بإطلالته التلفزيونية التي أثارت “نقزة” حليفه المفترض، “القوات اللبنانية”، وهو ما تجلّى في الردّ “الموسّع” للنائبة ستريدا جعجع عليه، قبل أن يُحكى عن “هدنة إعلامية” توصّل إليها الطرفان، بدأ الحديث صراحةً عن “تموضع جديد” يؤسّس له رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط في السياسة، بعيدًا عن تحالفاته “الانتخابية” الأخيرة.

ولعلّ جنبلاط كرّس هذه الأجواء بصورة أو بأخرى من خلال إعلانه صراحةً في الآونة الأخيرة عن “تقارب” بدأ مع “حزب الله”، في إطار ما اعتُبِر تمهيدًا للقاء سيجمع الجانبين بعد قطيعة طويلة، حيث تشير المعلومات المؤكدة إلى أنّ وفدًا قياديًا من “الحزب”، برئاسة مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق فيه وفيق صفا، سيحطّ في كليمنصو قبل نهاية هذا الأسبوع، بل خلال الساعات القليلة المقبلة وفقًا لبعض التقديرات.

وإذا كان جنبلاط المعروف بقدرته على التقاط “الرادارات”، معتادًا على الانتقال من ضفّة إلى أخرى، فإنّ ما وُصِفت بـ”استدارته الجديدة” أثارت الكثير من علامات الاستفهام في الأوساط السياسية، فهل هي انعطافة كاملة باتجاه فريق “حزب الله”، ستعيد “الأكثرية” إليه بالمُطلَق، وتفرغ كلّ محاولات “وحدة” المعارضة من مضمونها، أم أنّها “حلقة حوارية” جديدة قد تخدم توجّه جنبلاط الدائم نحو الوقوف في منطقة الوسط، بين المعسكرين؟!

إشارات التقطها “الرادار”

في قراءة مواقف جنبلاط الأخيرة، يتحدّث المراقبون عن إشارات التقطها رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” على جري عادته، فـ”استدار” بموجبها، ليكون مرّة أخرى مع “الفريق الرابح” في المنطقة، وقد يكون من بينها ما يُحكى عن اقتراب إبرام الاتفاق النووي بين إيران ودول الغرب، مع اختتام المحادثات الرامية إلى إحيائه قبل أيام في فيينا، على أجواء وُصِفت بـ”الإيجابية”، في ضوء النصّ “النهائي” الذي قدّمه الأوروبيون، ويخضع للدرس من واشنطن وطهران.

ويقول العارفون إنّ جنبلاط يقرأ مستجدّات الإقليم ويربطها ببعضها، وهو أثبت على مدار الأعوام نجاحه في فهم الرسائل، واستبطان الأحداث قبل وقوعها، وهو يدرك لذلك أنّ الواقع الحاليّ، الذي خاض على أساسه الانتخابات الأخيرة لم يعد نفسه الآن، فالاتفاق النووي “على النار”، ولكنّ رياح “التسويات” تبدو أبعد منه، من الحوار السعودي الإيراني “الناشط” على ما يبدو، إلى القمة العربية التي قد تشهد عودة سوريا إليها بعد سنوات من الاستبعاد.

من هنا، يضع المتابعون ما توصَف بـ”الاستدارة الجنبلاطية” الطارئة في سياق تقاطع محلي إقليمي دولي، خصوصًا أنّ الرجل يسعى دائمًا إلى التموضع مع الفريق “الرابح”، وهو يشعر أنّ مواجهة “حزب الله” لن تخدمه في الوقت الحالي، علمًا أنّ الرسائل التي مرّرها في مقابلته الأخيرة بدفاعه عنه، واعتبار أنّه ليس “دخيلاً” على الجسم اللبناني، له معانيه ودلالاته في هذا الصدد، على الأقلّ من باب “حماية الظهر” كيفما مالت الرياح في القادم من الأيام.

“الانقلاب” غير وارد

بعيدًا عن التحليل السياسي الذي يبدو “واقعيًا” في هذا الجانب، يحرص المقرّبون من “الحزب التقدمي الاشتراكي” على عدم الغوص في “دهاليزه”، مستغربين الضجّة “المفتعلة” حول تصريحاته الأخيرة، علمًا أنّها لم تحمل جديدًا نوعيًا، فـ”البيك” كان دائمًا مؤيّدًا للحوار مع “حزب الله”، وأبواب المختارة وكليمنصو لطالما كانت مفتوحة للأخير، فكيف بالحريّ في ظروف مصيرية واستثنائية كالتي يشهدها لبنان اليوم، مع ما تتطلبه من تضافر للجهود.

ويقول “الاشتراكيون” إنّ الحوار مع “حزب الله” لا يعني أبدًا إحداث “انقلاب سياسي”، عبر التحالف معه، أو “التبعية” له، كما توحي بعض الأقلام، ولكنّه يرسي “تفاهمًا” لا بدّ منه لمقاربة الاستحقاقات المقبلة، علمًا أنّ موقف “البيك” من “القوات اللبنانية” مثلاً لم يحمل جديدًا، فهو أكد إمكانية التلاقي معها على “الخطوط العريضة”، ولم ينكر ذلك، كما أنّه لم يذهب إلى القول إنّهما يلتقيان على كلّ شيء، وهو ما لم يحصل حتى في أيام عزّ “14 آذار”، إن جاز التعبير.

لكنّ ما لا يقوله “الاشتراكيون” صراحةً، يقوله بعض المراقبين، ممّن يعتقدون أنّ ما يخطّط له جنبلاط فعليًا، إلى جانب “تحصين” نفسه في ظلّ المتغيّرات الإقليمية والدولية، هو بكلّ بساطة العودة إلى لعب دور “بيضة القبان”، والذي يعتقد أنّه “برع” في لعبه في فترة من الفترات، وهو لا يخفي أبدًا “حنينه” إليه، وهو يعتقد أنّ “خريطة” البرلمان الحالي، وضياع “الأكثرية” فيه بين الفريقين المتنازعين، قد تتيح له ذلك، مع الحفاظ على علاقته الجيدة بالجميع دون استثناء.

لا شكّ أنّ مواقف جنبلاط أثارت وتثير الكثير من الجدل، ومثلها سيفعل اللقاء بينه وبين وفد “حزب الله”، متى عقد، رغم كل محاولات “البيك” والمقرّبين منه التقليل من شأنه، خصوصًا أنّه قد يعني عمليًا “الإطاحة” بمشروع “وحدة” المعارضة، مع خروج الرجل “الطوعي” منها، لكنها في المقابل، قد تفتح الباب أمام “ديناميكية” يعتقد كثيرون أنّها قد تكون مطلوبة، بل محبّذة، لإحداث خرق ما في ظل الجمود السياسي الطاغي في الوقت الحاليّ!

اخترنا لك