عن “تعدديّة” الاستحقاق الرئاسيّ الأوّل و “ديموقراطيّته” و “أحاديّة” الاستحقاق الثاني و “ديكتاتوريّة” الثالث
بقلم عقل العويط
غريبٌ أمرُ لبنان واللبنانيّين. “تعدّديةٌ” (ديموقراطيّة) فاجرةٌ هنا، و”أحاديّةٌ” (ديكتاتوريّة) فاجرةٌ هناك وهنالك. المعنى المقصود ليس في قلب الشاعر، ولا هو مضمرٌ، أو ملتبسٌ، أو مثيرٌ للحيرة والغموض. وها أنا أُواصل وضع الكلمات المستخدمة بين مزدوجين، من أجل أنْ تؤخذ في دلالاتها الرمزيّة لا في حرفيّتها المضمونيّة: “صيفٌ” و”شتاءٌ” تحت سقفٍ لبنانيٍّ واحد، كي لا أقول “ليلٌ” و”نهارٌ”، أو “جحيمٌ” و”نعيمٌ”، أو إلى آخره. وما أكثر الـ إلى آخره، وهو جميعه كارثيٌّ مفجعٌ ومأسويٌّ، بل أيضًا مثيرٌ للتقيّؤ المقرف واليائس!
الموضوع : رئاسة الجمهوريّة. أي الاستحقاق الرئاسيّ.
يتدفّق المرشّحون الرئاسيّون “الموارنة” تدفّقَ السيول من أعالي الجبال بعد شتاءٍ ثالجٍ وماطر. عجبًا كيف لا يتدفّق المرشّحون المجلسيّون ( رئيس مجلس النوّاب ) “الشيعة” تعبيرًا عن شغفهم بهذه “التعدديّة” ( الديموقراطيّة ) غير الفريدة، وبالأريحيّة والرحابة والتنوّع والتعدّد والاختلاف، وإلى آخره؟ وكيف لا يهبّ عند “السنّة” ما يوازي “التعدديّة” أعلاه، عندما تتحوّل ديموقراطيّة التكليف ( تكليف رئيس الحكومة ) إلى “ديكتاتوريّة” لا زمنيّة التأليف ولا زمنيّة تصريف الأعمال؟ أيجب أنْ يكون أحدنا من عشّاق هذه “التعدديّة الديموقراطيّة” ( المارونيّة ) التي لا تنطوي إلّا على تجويفٍ مخيفٍ للمعنى، أم يجب، في المقدار نفسه، أنْ يكون من عشّاق “ألاحاديّتَين الديكتاتوريّتَين” ( الشيعيّة والسنّيّة )، في غمرة هذا المشهد السياسيّ الأبوكاليبتيّ الذي لا تمطر سماؤه على لبنان واللبنانيّين إلّا الويلات من كلّ أسٍّ ونوع.
ما يصحّ في الموارنة والشيعة والسنّة (بدون تعميمٍ طبعًا)، يصحّ أيضًا وخصوصًا في سائر الطوائف والمذاهب التي يتشكّل منها البازل اللبنانيّ، تاركًا هنا وهناك وهنالك فسحاتٍ من الاختلاف تعبّر كلٌّ منها عن “خروجها” وخصوصيّتها وحرّيّتها وتمايزها.
في العودة إلى مسألة الاستحقاق الرئاسيّ، قد لا أعثر – وقد لا يعثر غيري – على فوارقَ واختلافاتٍ جوهريّة في “برامج” هذا المرشّح الفرديّ، وذاك، أو في “برامج” مرشّحي هذا الحزب والتيّار والمكوّن والطائفة والمذهب، وذاك. وقد لا أعثر على مثل هذه الفوارق والاختلافات عندما “سيكتمل” قريبًا نصاب الترشيحات والمبادرات المتعلّقة بالمنصب الرئاسيّ. تاركًا، على سبيل التحوّط (الديموقراطيّ) هامشًا محترمًا لاحتمالات وجود مثل هذه الفوارق والاختلافات.
فلأضعْ جانبًا مسألة “البرامج” النظريّة. وليقلْ لي أيٌّ كان ( بطريقةٍ عمليّةٍ دقيقةٍ ومُضجرةٍ ومملّة )، أكان مرشّحًا فردًا أم كان حزبًا أم تيّارًا أم مكوّنًا أم تنظيمًا أم مرجعًا دينيًا ( وزمنيًّا ) أم كان مرشّحًا لهؤلاء أم إلى آخره، كيف سيكون رئيسًا واحدًا وحيدًا أحدًا، فوق الرؤساء، وفوق الأحزاب والتيّارات والطوائف والمذاهب ؟ ماذا سيفعل بمسألة رئيس مجلس النوّاب المفتوحة رئاسته على التجديد وإعادة التجديد إلى ما عمّر ربّنا ؟ بمسألة تكليف رئيس الحكومة ولا زمنيّتَي التأليف وتصريف الأعمال ؟ وماذا سيفعل – مثلًا – بمسألة سلاح “حزب الله” ودولته القائمة ضمن الدولة، والقائمة مقام الدولة ؟ بمسألة التهريب الحدوديّ ؟ بمسألة الترسيم البحريّ ( الشماليّ أيضًا ) ؟ بمسألة الفلتان الأمنيّ ؟ بمسألة الجوع ؟ بمسألة الانهيار الماليّ ؟ بمسألة تحلّل المؤسّسات والبنى الدستوريّة والإداريّة وتفكّكها ؟ بمسألة العلاقات مع الدول العربيّة ؟ مع النظام السوريّ مثلًا ؟ مع دول الخليج عمومًا ؟ مع السعوديّة تحديدًا ؟ ومع إيران تحديدًا ؟
وليقلْ لي أيٌّ كان ( من هؤلاء أعلاه ) ماذا سيفعل بكتاب الدستور وببنوده في ما يتّصل بمسألة العلاقة الدستوريّة والقانونيّة بين رئيس الجمهوريّة ورئيس مجلس الوزراء ؟ وليفصّل لي – بطريقةٍ دقيقةٍ ومُضجرةٍ ومملّة – أيّ إطارٍ دستوريّ عملانيٍّ فوريٍّ ومباشر سيحكم هذه العلاقة، وسيحلّ الإشكالات التي تطرأ في كلّ حين، وأمام كلّ موضوع، كي لا يتعطّل عمل المؤسسات، على ما شهدنا خلال العهود الماضية، وعلى ما شهدنا ونشهد خلال هذا العهد، ممّا لم يعرف لبنان له مثيلًا في تاريخه منذ الاستقلال ؟
وماذا سيفعل بما لم يُطبَّق من اتّفاق الطائف؟ وبما طُبِّق منه مشوَّهًا ؟
… وبمجلس الشيوخ ماذا سيفعل ؟
على هامش الهامش، هذا السؤال : هل قدّم لنا أحد المرشّحين فريق عمله ومستشاريه، بأعضائه وخبرائه وعقلائه وحكمائه… من أجل أنْ يهدأ الروع ويطمئنّ حيال الرئيس والرئاسة ومقامهما الميمون ؟
هذه الأسئلة ( وغيرها كثيرٌ كثير ) لم أعثر على أجوبةٍ عملانيّةٍ مباشرة في أيٍّ من المشاريع والمبادرات، ولا لدى أيٍّ من المرشّحين المعلومين والمستورين والمتستّرين.
علمًا أنّ الرئيس – يكاد – يملك ولا يحكم. فلا يضحكنّ أحدٌ على أحد. ولا يحمّلنّ أحدٌ الكرسيّ الأوّل ( ومقامه ) ما يجب أنْ يتحمّله الكلّ و… الدستور معًا وفي آنٍ واحد.
هل تجيب مبادرات تكتّل نوّاب 17 تشرين، والتغييريّين، والمستقلّين، والسياديّين، والإصلاحيّين، والممانعين، والمقاومين، والذمّيّين، والملتحقين بالمَحاور، والطائفيّين، والمذهبيّين، و”المراجع”، والذين يضعون رِجلًا في البور ورِجلًا في الفلاحة، والبلا لون وطعم ورائحة، ومبادرات “الخيخة”، و”الممودرين”، وهلمّ جرًّا، عن هذه الأسئلة وسواها، لئلّا يُحمَّل الاستحقاق الرئاسيّ كلّ هذا الكمّ من التطلّب “التعدّديّ الديموقراطيّ” ( المارونيّ )، في غمرة “الديكتاتوريّتَين” ( الأحاديّة الشيعيّة والديكتاتوريّة اللّازمنيّة السنّيّة )، وفي غمرة “الاستبدادات” و”الإرهابات” و”الدول” و”الدويلات” التي تحفل بها السلطات الثلاث التنفيّذيّة والتشريعيّة والقضائيّة، ويحفل بها المشهد السياسيّ اللبنانيّ بأحزابه وتيّاراته ومكوّناته وأمرائه وأوليائه وأسياده ومرجعيّاته ومَحاوره كافّةً ؟!
جواب؟!