روبيرت مالي وصقور طهران

بقلم الباحث السياسي كارلوس نفّاع – جسور

لحظة اعلان تبني ايران الاتفاق النووي رسميًا ، سوف تحقق إدارة الرئيس الأميركي بايدن انجازا استراتيجيا ويكون انجز وليام بيرنز نجاحًا جديدا على مستوى الأمن القومي وخاصة في مواجهة استراتجية الحزام والطريق الصينية وتطويق موسكو بوتين تمهيدا لحصاره مما يعيد الى الذاكرة حلف بغداد سنة ١٩٥٥ الذي أقيم لردع المد الشيوعي أثناء الحرب الباردة وكانت طهران احدى اهم ركائزه .

من ناحية تقنية، وبحسب المسؤولين المطلعين على مسودة الاتفاقية التي يجري تذليل المخاوف الداخلية في طهران قبل اعلانها ، ستتخلى إيران مرة أخرى عن مخزونها من اليورانيوم المخصب . كما ستوقف جميع عمليات التخصيب التي تزيد عن 3.67 في المائة وسوف تفكك آلاف أجهزة الطرد المركزي المتقدمة التي تعمل الان .

كما يضمن الاتفاق ان لا يكون لإيران امكانات بناء سلاح نووي قائم على البلوتونيوم . ولعل الأهم من ذلك ، أن برنامجها النووي سيكون مفتوحًا مرة أخرى بالكامل لعمليات التفتيش التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية .

دون ان ننسى ان ايران وعلى الرغم من أنها طورت أجزاء من برنامجها النووي ردا على قرار ترامب بالخروج من الاتفاقية ، إلا أنها لم تخرج منها قط بشكل رسمي ، علما منها بأن الأمريكيين سيعودون حتماً لأنهم يعلمون لما لإيران من أهمية استراتيجية أن في الطاقة أو في الجغرافيا السياسية الدولية في عالم يسعى الأمريكيون فيه أن يحافظوا على ريادته .

وقد عزز الغزو الروسي لأوكرانيا اوراق حكومة رئيسي في المفاوضات وخاصة أن ايران تشارك رؤية دول الخليج حول اهمية نسج الجسور مع الشرق بغية التوازن مع الغرب . فمن وجهة نظر طهران ، أصبح العالم الآن متعدد الأقطاب بشكل لا رجوع عنه ، مما خلق بيئة من الطبيعي أن تتحسن فيها الفرص الجيوسياسية لإيران قد تجعل منها قوة إقليمية كبرى ان نجحت في احياء الاتفاق النووي واحسنت التعامل مع تحدياتها الداخلية الاقتصادية والاجتماعية . الفرصة الجيوسياسية المتوفرة اليوم قد لن تكون في الانتظار غدا . اوروبا بحاجة ماسة إلى الغاز الإيراني في ظل قطع الإمدادات من موسكو والى عقود الاستثمارات في البنى التحتية الايرانية .

منافسة جيوسياسية

والفراغ الاميريكي الذي يتيح اليوم لدول المنطقة ان تتحاور بهامش حرية اكبر يحقق استقرارها يعززه تركيز واشنطن المنصب الآن على الصين . ففي المنافسة الجيوسياسية التي يتصورها بايدن، يشكل نظام التحالف الواسع للولايات المتحدة ميزة حاسمة على بكين .

بحيث تسعى ادارة بايدن الى إبقاء الأصدقاء إلى جانب واشنطن، كما فعل بايدن في زيارته إلى اسرائيل و المملكة العربية السعودية في شهر تموز من هذا العام .

بحيث حاول تبديد قلق تل ابيب و الرياض من التقارب بين الولايات المتحدة وإيران ، مطمئنا الى أن واشنطن لن تخاطر بدفع اسرائيل والمملكة العربية السعودية والامارات إلى حضن بكين من أجل انفتاح أكبر مع طهران .

بالنسبة لواشنطن وبحسب روبيرت مالي الذي كان قد شارك مع وزير الخارجية الأسبق جون كيري في المباحثات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني قبل التوصل إلى «اتفاقية العمل المشتركة»، عام 2015. إن الهدف من التقارب مع إيران يهدف الى استيعابها و منع الصين من ان تستعملها قاعدة للانطلاق نحو المنطقة تدريجيًا فتهدد المصالح الاميريكية التقليدية.

وعليه تأخذ واشنطن ما تريد دون ان تعطي لايران ضمنات الديمومة ، بحيث لم تتم معالجة التأكيدات التي تسعى إيران للحصول عليها لتمنع خروج أمريكي ثانٍ بشكل كامل في خطة العمل الشاملة المشتركة المتجددة ، فقد ابقيت مادة للمحادثات لاحًقا بعد اعلان الاتفاق .

ديمومة الاتفاق

وربما اهم و أقوى طريقة لضمان ديمومة الاتفاق والتي لم تلحظ في المسودة هي السماح بالتجارة مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران . فقد ترك هذا الامر للتفاوض لاحقًا حول قيود أطول على برنامج إيران النووي مقابل رفع العقوبات الأمريكية الأساسية .

والذي من شأنه أن يفتح الاقتصاد الإيراني أمام الشركات الأمريكية ويخلق شبكة مصالح اقتصادية قوية في الولايات المتحدة من شأنها أن تمنع أي تكرار في المستقبل لخروج اميريكي من الاتفاقية شبيه بما فعله ترامب .

ولكن القيادة الايرانية تواجه معارضة ليست بسهلة تضع امنيات روبيرت مالي في دائرة خطرة عمادها الصقور في طهران ، الذين يعتبرون هذا الاتفاق المزمع احياؤه مجحفا بحق بلادهم بحيث تبقى تحت ضغط المصالح الاميريكية المباشرة وعرضة للابتزاز الدائم مما يعرض طهران للكثير من التحديات الداخلية والخارجية في آن ، وخاصة إن واشنطن تستمر في توفير أنظمة أسلحة أكثر تطورًا لخصوم إيران الإقليميين ، مما يعمق الانقسامات الإقليمية ويضع ايران امام سباق تسلح لا قدرة لها على مجاراته مع بقاء حظر التسلح في مسودة الاتفاق .

امام هذا التضارب بالمصالح وفرص النجاح المتاحة في نفس الوقت ، تسعى دول المنطقة لبناء تقارب في ما بينها عبر دبلوماسية خاصة لخفض التصعيد ، والذي اسهم بها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى حد كبير في ما يسمى بحوار بغداد .

فقد أحتضنت بغداد جولات من المحادثات بين طهران والرياض ساعدت في وصول الحرب في اليمن إلى هدنة قد تتطور الى حل سياسي .

من هنا ان تكثيف الجهود لحل النزاعات الإقليمية و تعزيز العلاقات الاقتصادية بين دول الخليج وإيران ، يمكن ان يبدد مخاوف كل الاطراف في المنطقة ، لهذا على كل من واشنطن و طهران القيام بالعديد من الخطوات الداخلية والخارجية لتبديد المخاوف ولانجاح الاتفاق لما يؤمنه من مصالح حيوية ليس للطرفين فقط بل للمنطقة ، فيكون مدخل للتعاون الاقليمي بدل من مجرد استراحة متصارعين تقود الى ازمة اكثر تعقيداً .

اخترنا لك