بقلم صهيب جوهر – جسور
منذ سنوات ليست ببعيدة أعاد النّظام في سوريا ربط مجموعة من العلاقات الدبلوماسية والأمنية مع دول عربية وإقليمية في إطار الرغبة لدى النظام في استعادة الشرعية التي فقدها على أشلاء مليون سوري وملايين المهجرين ومئات الآلاف للمخفيين القصريين في غياهب السجون والتي تعد الأفظع على سطح الكرة الأرضية، والنظام الذي يعيش أسوأ مراحله الاقتصادية والمالية ينقب عن متنفس لجلب العرب والغرب الى دمشق لشرعنة التطهير العرقي الذي مارسه لسنوات طويلة.
وعلى الرغم من إطلاقه لمئات المتطرفين من سجونه منتصف العام 2013 والذين شكلوا على مرأى ومسمع الحرس الثوري وميليشياته لتنظيم “داعش” الإرهابي، إلا أن الرغبة الدولية بقيت في أطر مختلفة، وفضلت المنظومة الدولية أن تخوض حرب تدمير التنظيم بأناملها ومع تحالف دولي خاض حروبًا ومعارك في الجو والبحر بين سوريا والعراق بغية عدم إعطاء موسكو وطهران ومعها الأسد أي ورقة ضغط سياسي يخوله العودة على عرش السلطة من بوابة مواجهة الإرهاب، لا بل أن قانون قيصر كان بابًا أساسيًا للقول إن أي حل في سوريا ينطلق من إزاحة رأس النظام حتى لو بقيت البنية المؤسساتية للدولة الحاكمة.
بالتوازي بحث بشار الأسد عن منفّذ آخر عنوانه الرّئيسي “مواجهة الأتراك والاخوان”، وهذا العنوان استقطب دول عديدة على رأسها الإمارات ومصر والتي خاضت لسنوات حروبًا لطي صفحة الاخوان المسلمين من المشهد الإقليمي إضافة إلى أن وجود رغبة عربية جامحة بعدم ترك المنافذ التي خلفتها الثورات العربية لتصبح بابًا مشرعًا لتركيا وحزبها الحاكم، وعليه فتحت القاهرة وأبوظبي أبوابها لمسؤولين في النظام وجال نائب الرئيس السوري علي مملوك وحسام لوقا رئيس المخابرات العامة السورية حتى في العواصم التي لم ترغب في فتح علاقة علنية مع بشار الأسد ونظامه، لا بل أن علي مملوك لم ينقطع عن لقاء مدير المخابرات السعودية خالد الحميدان وسعى بشكل حثيث لإقناع الرياض بإعادة وصل ما انقطع وهذا الأمر لم ينته في السعودية على الرغم من زيارة الحميدان الشهيرة لدمشق رمضان العام 2021.
بالمقابل فإن حركة حماس ذات الامتدادات الإخوانية العريقة تعيد منذ العام 2017 فرملة مواقفها تجاه التحديات الإقليمية المستجدة، وهذه الفرملة هي نتيجة سيطرة فريق الأمن على مفاصل الحركة بقيادة يحي السنوار في غزة وصالح العاروري المتنقل بين طهران وبيروت والقاهرة، وهذا الجناح خاض معركة صراعية مع خالد مشعل الرئيس السابق لحماس والذي يميل قلبه أكثر لأنقرة والدوحة وتنفتح شهيته لإعادة التواصل والتشبيك مع السعودية والأردن، والاندماج الجديد للحركة في تحولات المنطقة حولها منذ سنوات لأكثر الدول التصاقًا بطهران بعد وقف تمويلاتها ومنع قياداتها من دخول دول عديدة، ولما كانت حماس قد اختارت العام 2011 الانحياز للثورة في سوريا على حساب النظام الذي يعتبر أن الحركة خانت تاريخها وما قدمه لها لعقد ونصف، لذا بات مفروضًا على الإدارة الجديدة في الحركة دفع اثمان خروجها من دمشق والعودة لحضن الأسد وفقًا لشروطه.
وقبيل تواصلها مع النظام حاولت حماس الفصل بين سوء علاقاتها مع سوريا والعلاقة مع حزب الله وتاليًا إيران حتى داخل سوريا. وتجلى ذلك حين أغارت طائرات مروحية إسرائيلية على قافلة لحزب الله والحرس الثوري قرب القنيطرة وتسببت بمقتل ١٢ مقاتلًا من التنظيمين، نشر تلفزيون المنار التابع لحزب الله نص برقيتي تعزية من إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس أكّد على تلاحم الحركة الاستراتيجي مع حزب الله في مواجهة إسرائيل.
وفي العام ٢٠١٧، عقد الحزب جملة لقاءات مع الحركة، جرى بموجبها الاتفاق على وضع الخلاف حول سوريا جانبًا والاستمرار بالتعاون، ووقتها حاول الحزب جس نبض سوريا حول احتمال مصالحة مع حماس لكن النظام رفض بشكل حازم. وكذلك تحدّث نائب رئيس المكتب السياسي، صالح العاروري، لوسائل إعلام إيرانية، في العام ٢٠١٧، مؤكداً أنّ لا ربط بين علاقة الحركة بإيران وحزب الله وموقف الحركة من الثورة في سوريا. ورفض العاروري في الوقت عينه أن تكون الحركة قد اتخذت موقفًا ضد النظام في سوريا، مشيراً إلى أنّها لم ولن تتدخل في النزاعات الإقليمية ولن تقف مع طرف ضد آخر.
منذ سنوات قليلة يسعى حزب الله والحرس الثوري الإيراني لمصالحة حماس مع دمشق وفقاً لمعادلة توحيد الساحات والجبهات، إلا أن جناح مشعل داخل الحركة قدم مطالعته الرئيسية: “ماذا سيقدم لنا النظام والذي لا يستطيع إدارة كل جغرافية بلاده ولا يستطيع ضمان أجواءه ولا حماية حلفاءه على الأرض” وهناك سؤال أبرز لدى هذا الجناح يقول “هل من الممكن الثقة بموسكو والتي تعد حليفة إسرائيل التاريخية وهي لا تستطيع حجب أنظار إسرائيل عن ضرب حزب الله ومنظومة صواريخه وسلاحه” ؟
لكن الحركة تعيش تخبطاً كبيراً نتيجة التقارب التركي مع إسرائيل وتحديداً أن ملف الغاز وأنابيب وصوله لأوروبا يشكل لأنقرة أهمية تفوق قطاع غزة وربما حركة حماس، بالإضافة فإن الدوحة والتي لاتزال تستضيف قيادة الحركة تدرك ملياً أنها لا تستطيع المغامرة بدورها وحضورها الإقليمي كحليفة لواشنطن من خارج الناتو كرمى لعيون حماس ومشروعها، وعليه فإن حماس اتخذت قرارها التاريخي بالعودة الى دمشق على الرغم من المطبات والشروط التي يرفعها الأسد وحلفاؤه، وهناك من يقول أن النظام سيلزم حزب الله لحماس في الجنوب السوري ما يفتح الباب على إعادة الحركة لنشاطها العسكري في الجغرافيا السورية كمساحة تجارب صاروخية كما كانت قبيل الحرب.
وهناك تسارع في ربط العلاقة بين الطرفين حيث قيل عن لقاءات جمعت مستشارة الأسد بثينة شعبان مع مسؤول العلاقات الدولية في حماس أسامة حمدان، إضافة إلى أن مسؤولين سوريين التقوا هنية والعاروري في طهران وبيروت، وهذا التسارع بدا في خطاب بعض المسؤولين للحركة ابرزهم خليل الحية، كذلك فإن حماس باتت اكثر حرصاُ على جلب التيارات الاخوانية معها نحو محور الممانعة عبر رعايتها حوار بين طهران والاخوان المسلمين، ومصالحة حزب الله والجماعة الإسلامية في لبنان عبر اصطحاب هنية لمرتين متتاليتين لأمين عام الجماعة عزام الايوبي للقاء نصرالله، وما انعكس مؤخراً في انتخابات الجماعة الداخلية بانتخاب قيادة أكثر حماسة للتحالف مع الحزب وغير رافضة للمصالحة مع الأسد مستقبلاً.
الخلاصة تقول إن الحركة اختارت وحتى إشعار آخر بالتحالف مع الحزب وايران والأسد، عبر ركائز تستند عليها حماس في رسم علاقاتها مع مختلف دول الإقليم، بما يخدم مصلحتها التنظيمية أولا، ويعزِّز من وجودها على الصّعيد الفلسطيني كحركة فلسطينية حريصة على الحضور الإقليمي كبديل عن فتح، وتكمن هذه المحدّدات في أبعادها العسكريّة والدبلوماسية والاقتصاديّة، والتي جعلت الجماعة الفلسطينية تتحرّك بسياسة خارجيّة هجينة، يجمع بين الأيديولوجي ( ايران وتركيا ) والبراغماتي ( مصر وروسيا وسوريا ) وعليه تبدو الأمور أكثر اتجاهاً لمصير منظمة التحرير ونهاياتها غير السعيدة