الصراع اليمنيّ – اليمنيّ من السياسة إلى الحضارة

بقلم د. ميشال الشماعي

قال المتحدث الرسمي في الأمم المتحدة يوم الخميس 15 أيلول/سبتمبر 2022: “إنّ الأمم المتحدة في اليمن تعرب عن قلقها إزاء التقارير التي تتحدث عن مصادرة وإتلاف أراضٍ وحقول تابعة للمدنيين في المناطق التي تسيطر عليها جماعة أنصارالله (الحوثيون) في مديرية بيت الفقيه جنوب الحديدة.” هل يعمل الحوثيّون على تغيير هويّة أهل الأرض؟ وهل انكشفت طبيعة الصراع اليمني –اليمني ؟

وتجدر الإشارة إلى انّ الحرب في اليمن بدأت في 21 سبتمبر / أيلول 2014، عندما سيطرت جماعة الحوثي اليمنية على العاصمة، صنعاء، بعد أسابيع من احتجاجات مناهضة للحكومة، ما دفع السعودية إلى التدخل من خلال العملية العسكرية الموسومة بـ”عاصفة الحزم”، ومعروف ارتباط جماعة الحوثي بالنظام الإيراني عديدًا وعتادًا وتمويلاً. فضلاً عن التعاون بينه وبين حزب الله اللبناني، الذراع الإيراني الأقوى في المنطقة.

جذور الأزمة اليمنيّة

وللوقوف عند حقيقة هذا الصراع الذي بلغ عامه الثامن حتّى اليوم، كان لموقع جسور وقفة مع الأستاذ محمد عطبوش، الباحث في جامعة البحر الأسود في جورجيا، والمتخصّص في النقوش اليمنيّة والفلكلور اليمني؛ ولدى سؤالنا له عن جذور الأزمة اليمنية، وفيما إذا كانت تعود الى تاريخ الحضارات في اليمن أم أن النزاع هو مجرد نزاع سياسي، يلفت العطبوش إلى أنّ “تتبع جذور قديمة للنزاع المعاصر لن يختلف عمّا كان يحدث في مراحل سابقة من التاريخ، وهو في الوقت نفسه نزاع سياسي.”

فبالنسبة إليه “إنّ تاريخ الممالك اليمنية قبل الميلاد وبعده هو تاريخ الصراع بينها، وينعكس هذا الأمر بوضوح في الكم الهائل من نقوش طلب الحماية من الأعداء أو تدمير الأعداء، وفي الهاجس الأمني باختيار مواقع المنشآت السكنية العسكرية فوق الجبال الحصينة وسمعة الحصون والمحافد اليمنية التي وصلت إلى حدّ الأسطرة في التراث الإسلامي. “ويؤكّد العطبوش أنّ “تاريخ اليمن كله صراع، حتى بعد الإسلام.”

وفي استعادة لتجارب التّاريخ الإنساني يرى العطبوش أنّه “يمكن توظيف التاريخ لدعم السلام من خلال الوعي به. “ويعزو ذلك إلى أنّ “اليمني لا يعرف تاريخه، ولو كانت هناك ثقافة عامّة بعواقب الهاشمية السياسية (الحقّ الإلهي بحكم أسرة معينة) على اليمن طوال ألف عام، لما ظلت تنبعث كل حين وحين.” ويتابع مسترجعًا حقبة الوصاية وعواقبها على اليمن ولا سيّما “الوصايتين الحبشية والفارسية، ومع ذلك تتكرر مشاهد الوصاية الخارجية بطريقة مشابهة.”

وهنا يلفت العطبوش إلى محاولة استعادة الوصاية الفارسيّة عبر الحوثي. وهذه الطريقة التي تعتمدها إيران عبر تجنيد الجماعات التي تدين إليها بالولاء الأيديولوجي في الوطن العربي لتزعزع أمن الدّول العربيّة، وتفرض معادلات تغييريّة في دساتير هذه الدّول في محاولة منها لقلب الحكم فيها، ونشر فكر الثورة الإسلاميّة.

وفي حديث مع الباحثة الرئيسيّة في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجيّة ميساء شجاع الدين، والتي ترى بأنّه “ورغم إطلاق الجماعة على نفسها اسم “أنصار الله”، إلا أن معظم اليمنيين ينظرون إليها على أنها مؤسسة عائلية تقوم على أفكار بدر الدين الحوثي (المُتوفى سنة 2010) وغيره من علماء الدين الزيديين، وتعززت على يد أبناء الحوثي. “وتتابع شجاع الدّين أنّ هذه الجماعة “تسعى لإعادة إحياء الإمامة الزيدية التي كانت مهيمنة سياسيًا شمالي اليمن قرابة ثلاثة قرون حتى عام 1962. “وهي ترى أنّ “الإشكاليّات في اليمن ليست من طبيعة طائفيّة بل من طبيعة مناطقيّة وسلاليّة.”

الحلّ السياسي والثورة الفكريّة

أمّا بالنسبة إلى طبيعة الحلّ فيرى العطبوش أنّ “الحلّ السياسي هو حلّ جوهري، ولكنه بحاجة أيضًا إلى برامج اجتماعية وتعليمية، لأنّ جماعة أنصار الله على سبيل المثال قامت بتغييرات جذرية في المناهج الدراسية وحولتها إلى برامج حشد طائفي وعسكري.” وهذا ما رأى العطبوش بأنّه بحاجة إلى عمليّة إصلاح جذريّة. ولعلّ ما لحظه العطبوش يؤكّد على أنّ الحوثيّين يعملون على تغيير هويّة اليمن العربيّة انطلاقًا من البوّابة التربويّة – الإجتماعيّة.

ويختم العطبوش حديثه لجسور مسلّطًا الضوء على ثورة نوعيّة بدأت نواتها بالظهور بين الشباب اليمني، وهي حركة “الأقيال” اليمنية القومية. ويعرّف عنها بأنّها “حركة قومية يمنية، ظهرت عفويًّا على وسائل التواصل الاجتماعي بعد سنوات من استيلاء الحوثيين على السلطة عام 2014، ولاقت رواجًا واسعًا منذ عام 2020. وتضم الحركة شبابًا ناشطين على فيسبوك وتويتر، غير منتمين سياسيًّا، إضافة إلى كثير من الناشطين المتحزبين، وتحرص الحركة على عدم تبنيها لأيدلولوجية معينة حفاظًا على التنوع الأيديولجي داخل الحركة، رغم محاولات أدلجتها المتكرّرة.” عسى أن تشكّل هكذا تحرّكات وعيًا حضاريًّا عند الشباب اليمني ليستطيع التصدّي لعمليّة الأدلجة الحضاريّة التي تعتبر أخطر بكثير من حرب البندقيّة والسلاح، سواء أكان شرعيًّا أم غير شرعيٍّ، محلّيًّا أم إقليميًّا.

وترى الباحثة ميساء شجاع الدّين بأنّ “السبيل للتصدّي لما يحصل صعب، فبعد سنوات من التصدّي للسياسات الخاطئة من اليمنيّين حلفاء التحالف العربي. ” وأعادت شجاع الدّين ذلك إلى “التدخّل العسكري الذي عقّد الأوضاع داخل اليمن.” فبالنسبة إليها “الإشكاليّة الكبرى تكمن في تعدّد التدخلات الخارجيّة التي أدّت إلى انقسام المعسكر المعادي للحوثي. وبالتالي صارت انشغالاتهم الصراع فيما بينهم على حساب مواجهة الحوثي الذي صار لديه دولة. فهو ليس معنيًّا بالتنازل السياسي لأي طرف لا سيّما وأنّه صار الأقوى عسكريًّا.”

استشراف مستقبل اليمن

وترى شجاع الدّين أنّ “المفاوضات السعوديّة – الإيرانيّة قد انعكست على الساحة اليمنيّة فأرست الهدنة. وبرغم الحرب الدائرة وتشرذم اليمن ترى شجاع الدّين بأنّ اليمن لن تقسّم وستبقى واحدة.” وتتبع أنّ “أيّ دولة لا تريد تقسيم اليمن، بما فيها الإمارات التي تدعم الجنوبيّين، لأنّ هذه المسألة ستفتح بابًا غير مرغوب في دول المنطقة، وسينعكس عدم استقرار في معظم الدول. فما من أحد متحمّس بزيادة الدول الفاشلة والفقيرة في الأمم المتّحدة. ”

وفي نظرة استشرافيّة لمستقبل اليمن تؤكّد شجاع الدّين أنّ “مسألة تقسيم اليمن ليست مطروحة، وهي تعتقد بأنّ “الحلّ السياسي قد يكون على القاعدة العراقيّة مثلاً، أو كما يرسم لسوريا بعد خروجها من أزمتها.” فهي بمقاربتها هذه تشير إلى إمكانيّة فدرلة اليمن بدستور جديد تحت إشراف أممي كما حصل في العراق عام 2003. فهل من الممكن أن تشكّل الفدراليّة مدخلاً إلى تسييل سلاح الحوثي سياسيًّا في مكتسبات دستوريّة من ضمن الدستور اليمني الجديد لإنهاء هذا الصراع وللحدّ من طبيعتيه المناطقيّة والسلاليّة ذات الإرتباطات الحضاريّة – الأيديولوجيّة؟

اخترنا لك