اقرأوه لا تقرأوه “مش فارقة معايَ”

بقلم عقل العويط

كفى. لا أريد أنْ أشارك في هذه الكذبة – اللبنانيّة – الشنيعة المستمرّة منذ عقودٍ وعهود، والبالغة أوجها وفرادتها في هذا العهد السعيد. لذا أدعو إلى عدم قراءة هذا المقال. بل أدعو في الآن نفسه إلى قراءته. لا فرق.

كلّ هؤلاء الذين يتحاورون – الآن – حول جنس لبنان (ورئيسه)، أو حول جنس الملائكة، ويتبادلون المصافحات الحارّة أحيانًا، وأحيانًا القُبَل، والنكات والقفشات، ويضحكون بمكرٍ أو بغباءٍ وسذاجة، ويقهقهون، ويقدّون المراجل، وينظّرون في السياسة والرئاسة والمصائر، ويطلقون البالونات و”الصواريخ”، ويفقعون الخطب المدويّة والممودرة عبر الشاشات، ويعقدون الجلسات للموازنات ولسواها، ويجلسون في الصالونات مفرشِخين، أو يجلس بعضهم كما لو أنّهم في حضرة “الحضرة”؛ هؤلاء جميعهم معنيّون طبعًا بـ”القضايا الوطنيّة، الجوهريّة والمصيريّة”. وأنا لستُ من هؤلاء، ولا أريد أنْ أكون منهم.

لكنّ هؤلاء المذكورين أعلاه، يجب أنْ يقرأوا هذا المقال لأنّه لا يكذب، ولا يلعب تحت الطاولة، ولا “يتعبقر”، ولا يتمرجل، ولا يساوم، ولا يبتسم. هو يتحدّث عن الوضوح، عن الانحلال، عن الوسخ، عن الهواء المسموم، عن الحشرجات، عن الألم، عن الوجع، عن الهول، عن اليباس، عن القحط، عن الانحطاط، عن العفن، عن الروائح الكريهة، عن القيء، عن الفراغ، عن اليأس، عن اللّاشيء، وعن العدم.

هؤلاء يجب أنْ يقرأوه، لأنّه يفقأ الحصرم في عيونهم. في مقدورهم ألّا يقرأوه أيضًا. وربّما يجب ألّا يقرأوه. سيّان.

أمّا الذين يموتون ببطء، وينتحرون ببطء، وفي كلّ لحظة، فإنّي أدعوهم خصوصًا إلى قراءة هذا المقال. يجب أنْ يقرأوه. أكرّر. لأنّه يلطمهم بالوضوح، بالواقعيّة (السياسيّة!)، وبالحقيقة.

كنتُ أحضّ هؤلاء “الموتى” على الصبر، على التحمّل، على بلع الموس، على الأمل، على الانتفاض، على البصق في وجوه الوحوش، وعلى “المقاومة”. أمّا الآن فأقول لهم بقسوة إنّ “اللعبة” هي “لعبة” وحوش، ولن تنتهي إلّا بطريقةٍ وحشيّة. لمَن يريد الانخراط في “لعبةٍ” كهذه، فليعرفْ أن لا فائدة من الانخراط فيها، لأنّها خاسرة.

اقرأوا هذا المقال. لا تقرأوا هذا المقال. سيّان.

الجميع سيكرهون كاتب هذا المقال، لأنّ الجميع، بعضهم يحتقر الحقيقة، وبعضهم يكرهها، وبعضهم يخافها: الوحوش الذين يلتهموننا، والموتى الذين يموتون ببطء. واللّامبالون. وما أدراكم بوطاوة اللّامبالين!

هذا المقال، والحال هذه، هو، بالنسبة إلى هؤلاء وأولئك، لعنةٌ، بل مَضيَعةٌ للوقت، وإهدارٌ لا طائل منه. لأنّه وقحٌ، وبلا أقنعة، وربّما بلا تهذيب، بل انتحاريٌّ، كهؤلاء الذين يكفرون بكلّ شيء، وينتحرون، أو يرحلون شرعًا وسرًّا وتحت جنح الغفلة، لأنّهم ما عادوا قادرين على تحمّل هذه “المأدبة” المتوحشّة التي تجمع السرّاق والأفّاقين والقَتَلَة حول طاولةٍ واحدة.

هذا المقال هو عن الموت اللبنانيّ، الجماعيّ والفرديّ، عن الموت الذي في الحياة، وأيضًا الذي في قلبي، من جرّاء ما آلت إليه الحياة.

وإنّي أقول بفجاجة إنّ كلّ هؤلاء الذين يجتمعون حول طاولةٍ وطاولاتٍ وفي صالوناتٍ (وخفيةً)، ليسوا معنيّين بما يجري من مجازر في الحياة اللبنانيّة، ولا بما يجري من مجازر في القلوب، لأنّهم خارج الحياة، ضدّها، وبلا قلب.

على الرغم من كلّ شيء، ألفت إلى مبادرة نوّاب 17 تشرين لأنّها صادقة، وإنْ كانت ستفضي على الأرجح (وأرجو أنْ أكون مخطئًا)، إلى ما يشبه إنّي أغسل يديَّ من دم هذا الصدّيق (لبنان).

قلتُ الموت، وأقصد هذا العدم (السياسيّ) المقصود واللّاأخلاقي وغير المسبوق التي تُسفَح فيه الأعمار والأحلام، ويؤدّي رقصته المعربدة والماجنة فوق مقبرة لبنان.

لا تقرأوا هذا المقال. بل اقرأوه. لا فرق. وأنتم “أحرارٌ” في أنْ تسبّوا كاتبه. لكن “مش فارقة معايَ”. لن أكون شريكًا في هذه (المعرصة). لن أيأس. ولن أستسلم.

اخترنا لك