أشارت “الحرة” إلى أن 3 تسريبات منفصلة من خطي أنابيب “نورد ستريم 1 و 2 “، المملوكين لروسيا، أثارت الحديث عن “الأهمية الاستراتيجية للخطوط”، وتداعيات تلك الواقعة التي تشير دول أوروبية لكونها “أعمال تخريبية متعمدة”، وسط تحذيرات من “كارثة مناخية غير مسبوقة”.
ما هي “نورد ستريم” وما أهميتها؟
يدير خطي أنابيب “نورد ستريم 1 و 2″، تحالف شركات تملك شركة “غازبروم” الحكومية الروسية الغالبية فيه.
ويعد “نورد ستريم 1 “، أكبر خط أنابيب غاز روسي إلى أوروبا من ناحية الكمية التي تبلغ 55 مليار متر مكعب سنويا، ويمتد عبر بحر البلطيق من روسيا إلى ألمانيا.
أما “نورد ستريم 2″، فهو خط أنابيب ثان مزدوج بنفس حجم الخط الأول، وتم استكماله في عام 2021 لكن ألمانيا رفضت اعتماد تشغيله بعد أن غزت موسكو أوكرانيا.
وتمثل خطوط “نورد ستريم” الناقل الرئيسي للغاز الطبيعي الروسي إلى ألمانيا وبولندا ودول أوروبية أخرى، وفقا لـ”واشنطن بوست”.
وتعد خطوط الأنابيب بنية تحتية “استراتيجية” تربط روسيا بأوروبا، وكانت نقطة محورية في المواجهة الأوسع بين الجانبين، بعد فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية على موسكو لمعاقبتها على غزو أوكرانيا في شباط.
وخفضت روسيا إمدادات الغاز إلى أوروبا عبر نورد ستريم 1 قبل تعليق الإمدادات بالكامل في أغسطس ملقية باللوم على العقوبات الغربية في التسبب في صعوبات فنية، ويقول السياسيون الأوروبيون إن ذلك كان “ذريعة لوقف إمدادات الغاز”.
ولم يبدأ خط الأنابيب الجديد نورد ستريم 2 بعد عملياته التجارية، وألغت ألمانيا خطة استخدامه للتزود بالغاز قبل أيام من إرسال روسيا قواتها إلى أوكرانيا في فبراير فيما تصفه موسكو بأنه “عملية عسكرية خاصة”، وفقا لـ”رويترز”.
ويتحدث الخبير الاستراتيجي، العميد خالد عكاشة، عن “أهمية استراتيجية كبرى لخطوط أنابيب نورد ستريم العملاقة.
وفي حديثه لموقع “الحرة”، يؤكد أن المشروع يمثل أهمية كبري لكون “الغاز سلعة استراتيجية” تمس حياة الملايين من الأوروبيين ويعتمد عليها تشغيل المصانع وعمليات تغذية محطات الإنارة والكهرباء وتزويد المنازل باحتياجاتها من الطاقة.
ونتيجة لتلك المعطيات السابقة فإن “الأمن الاستراتيجي لعدة دول أوروبية” يرتبط بمشروع “نورد ستريم”، ويجب حماية “البنية التحتية لتلك المشروعات الاستراتيجية حتى لا يطالها التخريب”، وفقا لحديث عكاشة.
ومثل الحادث “جرس إنذار لدول القارة الأوروبية لحماية بنتيها الحيوية من التخريب المتعمد”، وفقا لتقرير لصحيفة “فاينينشال تايمز” البريطانية.
وأكد الزميل البارز في مؤسسة Bruegel الفكرية، سيمون تاجليابيترا ، أن التسريبات “تمثل مستوى جديدا من حرب الطاقة الروسية ضد أوروبا”،
وقال “لا ينبغي لنا التقليل من مخاطر رؤية هجمات مختلطة على البنية التحتية للطاقة لدينا، سواء كانت تلك الهجمات المادية أو السيبرانية”، مضيفا “نحن بحاجة إلى التعلم والتكيف بسرعة كبيرة”، وفقا لـ”فاينينشال تايمز”.
تداعيات التسريبات
قبل وقوع عمليات التسريب بأسابيع، حذرت الاستخبارات المركزية الأميركية ( سي آي إيه)، الحكومات الأوروبية من هجمات محتملة على خطوط الأنابيب تحت البحر، وفقا لصحيفة “نيويورك تايمز”.
وتحدثت مجلة “دير شبيغل” الألمانية، الثلاثاء، عن تقديم الولايات المتحدة ما يسميه مسؤولو المخابرات “تحذيرا استراتيجيا” لهجوم محتمل، مؤكدة أن الوكالة حذرت ألمانيا قبل أسابيع من هجمات محتملة على خطوط أنابيب غاز في بحر البلطيق.
وأجمع مسؤولون في جميع أنحاء أوروبا، الثلاثاء، على أن الانفجارات تحت بحر البلطيق وانهيار خطوط أنابيب الغاز الطبيعي الرئيسية من روسيا إلى ألمانيا كان “هجوما متعمدا وعملا تخريبيا”.
وألقي رئيس الوزراء البولندي، ماتيوش مورافيتسكي، باللوم على روسيا في وقوع التسريبات، قائلا إنها كانت محاولة لـ”زعزعة استقرار الطاقة في أوروبا”.
ونفي الكرملين، الأربعاء، صحة تلك الاتهامات، ووصفها بـ”الحمقاء”، وفقا لـ”رويترز”.
ويرجح رئيس المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في ألمانيا، جاسم محمد، نظرية “التخريب الاقتصادي والهجوم المتعمد”.
وفي حديثه لموقع “الحرة”، يؤكد أن الطرف المستفيد والضالع في “الهجوم”، هو من يريد إشعال أزمة الطاقة في أوروبا، معتبرا الحادث “جزءا من الحرب الاقتصادية بين روسيا والغرب”.
ولم يكن هناك “تأثير فوري للهجمات” على إمدادات الطاقة الأوروبية، لكنه يزيد من المخاطر ويعمق القلق الأوروبي، بشأن “حرب الطاقة المستعرة بين روسيا والغرب”، حسب صحيفة “نيويورك تايمز”.
وأدت تلك التطورات إلى “تعميق حالة عدم اليقين بشأن أمن الطاقة الأوروبي وسط ارتفاع الأسعار والمخاوف من نفاد الوقود خلال الشتاء”، حسب الصحيفة.
وبالفعل ارتفعت أسعار الغاز في أوروبا بعد أنباء التسريبات، ورغم أن الأسعار لا تزال أقل من ذروتها لهذا العام، فإنها أعلى بمئتين في المئة مما كانت عليه في مطلع سبتمبر من العام الماضي، وفقا لـ”رويترز”.
ولذلك يرجح عكاشة “ضلوع روسيا في العمل التخريبي المتعمد” كجزء من التصعيد ضد أوروبا نتيجة دعمها “كييف”، واصفا الحادث بـ”عملية روسية غير نظيفة ضد الدول الأوروبية”.
ولجأت روسيا لبعض “الأدوات والأساليب الملتوية خلال الصراع مع الغرب” لتحقيق مكاسب سياسية واستراتيجية، لتهديد “أمن الطاقة في أوروبا”، وفقا لحديث عكاشة.
ويتحدث عكاشة عن “تداعيات اقتصادية وسياسية وعسكرية” لذلك الحادث لكونه موجه ضد “هدف مدني يمس حياة الملايين”، مشيرا في الوقت ذاته إلى “بعد بيئي خطير لحادث التسريب”.
كارثة مناخية “غير مسبوقة”
ورغم أن الخطان لا يعملان حاليا، لكنهما يحتويان على الغاز ما تسبب بظهور فقاعات في التسرب الذي رصد على سطح مياه البحر في المنطقتين الاقتصاديتين الخالصتين للسويد والدنمارك، وفقا لـ”فرانس برس”.
وتشير بركة المياه الفوارة التي يبلغ عرضها 700 متر في بحر البلطيق والناجمة عن تمزق خطوط أنابيب الغاز نورد ستريم إلى “كارثة مناخية”، وفقا لتقرير لـ”بلومبرغ”.
يسعى العلماء جاهدين لمعرفة “كمية الميثان” الناتجة عن التسريب، حيث يعد ذلك الغاز أحد أقوى “الغازات الدفيئة” التي يمثل تسربها للغلاف الجوي “خطرا على البيئة والمناخ”.
وتؤكد”بلومبرغ” أن الأنابيب كانت تحتوي على “غاز طبيعي مضغوط، والغالبية العظمى منه عبارة عن غاز الميثان”.
ويشير ديفيد مكابي، وهو كبير العلماء في منظمة Clean Air Task Force المناخية غير الربحية، إلى أن “طن واحد من الميثان يؤثر على المناخ أكثر من 80 ضعف تأثير ثاني أكسيد الكربون”، وفقا لـ”بلومبرغ”.
وأوضح أن “احتمالية حدوث انبعاثات هائلة ومدمرة للغاية أمر مقلق للغاية”، مضيفا أن “التأثير على المناخ سيكون كارثيا وقد يكون غير مسبوق”.
ويعد تقدير الكمية الدقيقة من غاز الميثان الذي تسرب إلى الغلاف الجوي مهمة “صعبة للغاية”، لكن بعض العلماء أجروا حسابات للكشف عن حقيقة تداعيات التسريب.
وقدر أندرو باكستر، وهو مدير استراتيجية الطاقة في صندوق الدفاع عن البيئة، كمية الميثان المسربة بحوالي 115 ألف طن، وهو ما يعادل حوالي 9.6 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون.
ويعادل تأثير تلك الكمية من الميثان نفس التأثير المناخي للانبعاثات من “مليوني سيارة تعمل بالبنزين على مدار عام، أو محطات طاقة تعمل بالفحم مرتين ونصف”، وفقا لـ”بلومبرغ”.
وفي حال دقة تلك التقديرات، فسيكون تسريب هذه الكمية من الميثان هو الأكبر تاريخيا على الإطلاق، حسب “بلومبرغ”.