إلى نوّاب ١٧ تشرين : أين الخطّة ب في المبادرة الرئاسيّة ؟

بقلم عقل العويط

أمّا وقد كتبتم مبادرتكم الرئاسيّة الانقاذيّة، وأذعتموها على الملأ، وجلتم للتحاور في شأنها مع القوى السياسيّة جميعها، بمَن وما فيها، مَن يأنف الكريم ذو الكرامة مصافحتهم، عارفًا أنّ هذا الذي فعلتموه هو ممّا تفرضه قواعد “اللعبة” الديموقراطيّة والسياسيّة، ما دمتم قد اخترتم أنْ تكونوا جزءًا منها (وإنْ مختلفًا عنها)، فاسمحوا لي بالآتي.

لقد شعر الكثيرون (وأنا منهم) بالخزي وأنتم تصافحون بعض هؤلاء، وتجلسون إليهم جلوسًا كان يخلو أحيانًا وكثيرًا من تهذيب المضيف ولياقته، وهو على كلّ حال، خلوٌ بل متبرّئٌ منهما. أكرّر: هذا كان ممّا لا بدّ منه، وإنْ على مضضٍ، وإلى حين.

أمّا بعد، فقد آن الأوان، والوقت يضيق كما تعلمون، لاحتساء جرعةٍ قويّةٍ إضافيّةٍ من كأس الشجاعة الأخلاقيّة والمعنويّة التي لا تخلون منها، وهي ليست بعيدةً منكم وعنكم، لتقولوا ما يجب قوله علنًا جهارًا، وما يجب أنْ تفعلوه، وأيضًا علنًا جهارًا، في مسألة الرئيس والرئاسة، بعدما انتهت المرحلة الأولى من مبادرتكم، وبتّم وبتنا أمام المرحلة الثانية. أين هي الخطّة بـ ؟

ما يتمّ تداوله من أسماءٍ رئاسيّة لدى الأطراف الداخليّين المؤثّرين من ذوي الوزن الانتخابيّ التصويتيّ، كما لدى الأطراف الدوليّين الوالغين مع العصابة السياسيّة (والنيابيّة) المحلّيّة في هذه “اللعبة” الوسخة، يُظهِر بالعين المجرّدة – وبـ”مولاي العقل” المجرّد – أنّ هذا الذي يتمّ تداوله حاليًّا في الأروقة والمجالس ومن خلال الوسائل المختلفة (والأبواق. لا تنسوا الأبواق!) لا يعير مبادرتكم الانقاذيّة أيّ احترامٍ، ولا أيّ اهتمام. لكأنّ ما قمتم به – إذ يشرّف نزاهتكم الوطنيّة وبحثكم الدؤوب عن مكانةٍ رئاسيّة ولشخص الرئيس تتخطّى الأعراف المتداولة والاصطفافات المخزية – يشبه حالَ مَن بادر باقتناع (أو اضطرّ) للقيام بخطوةٍ كان لا بدّ من القيام بها (أكان عن إيمانٍ أم على طريقة غسل اليدين من دم الصديق) وها هو يتحفّز للخطوة الثانية الحاسمة التي تضع المشهد الرئاسيّ كلّه تحت المجهر، فينقشع الخيط الأبيض من الخيط الأسود (ومن الخيط الرماديّ التافه والخطير في السياسة).

إنّهم يريدون “تبليعنا” و”تبليعكم” رئيسًا يمكّنهم من إكمال المسيرة المظفّرة نزولًا إلى، واستقرارًا في قعر جهنّم السابعة أو التاسعة. ذاك شأن العصابة السياسيّة، يصطفلوا. فما شأنكم أنتم، والحال هي هذه، وما شأن مبادرتكم الرئاسيّة الانقاذيّة الخلاصيّة، وما خطوتها اللاحقة، وما خصوصًا مصيرها ؟!

لكي لا يلتبس الأمر على أحد، تعلمون كما الجميع يعلم، أنّ الذين انتخبوكم وأوصلوكم إلى مجلس النوّاب لتكونوا ضميرهم، ضمير 17 تشرين وضمير الذين قضوا في تفجير العاصمة، لا يرضون بأيّ شكلٍ من الأشكال، أنْ لا تبحثوا عن أيّ وسيلةٍ مشرّفةٍ ضمن “اللعبة الديموقراطيّة النيابيّة” (مهما كانت الوسيلة براغماتيّةً أو قاسيةً على بعضكم) لمنع وصول أحد هؤلاء المرشّحين الذمّيّين والعبيد والخدمتجيّة إلى سدّة الرئاسة. بل هم (ناخبوكم) يدعونكم – على رأس السطح – إلى استخدام النزاهة السياسيّة مقرونةً بالعقل والذكاء والرحابة والمرونة وبعد النظر، لكنْ أيضًا بالدهاء – ولِمَ لا بالمكر ( أيجب أنْ أفسّر لكم معنى المكر قرآنيًّا ؟! ) – لفرض مرشّحٍ رئاسيّ يشرّف المنصب، ويتشرّف به المنصب.

ولكي لا يلتبس الأمر على أحدٍ منكم، فيسعى إلى الاختباء وراء إصبعه (أو وراء تذاكيه) أو حجته، معتبرًا أنّه نائبٌ على طريقة الفنّ للفنّ، أو يحقّ له أنْ يزرع الخسّ مَرَضيًّا وافتراضيًّا و”يقتنع” بأنّه سيبيعه (بأسعارٍ خياليّة) في بازار الرئاسة، أو يظلّ ينتظر غيثًا لن تأتي به أيّ غيمةٍ – جهةٍ من الجهات التي زرتموها وجلتم عليها، ستجدون أنفسكم معنيّين الآن بالعمل جهارًا لا على اختيار رئيسٍ بل (مجبورين جبرًا أخلاقيًّا ووطنيًّا) على إيصال رئيسٍ (وهذا مُتاحٌ للغاية) يجب أن يكون رجل دولة ودستور، سيّدًا حرًّا مستقلًّا نزيهًا وغير فاسدٍ وغير ساكتٍ على فساد، لن يُتاح انتخابه إلّا بالغالبيّة المطلقة… بَعد اتّضاح (قرب) انتهاء “مفعول” مبادرتكم لانتخاب رئيسٍ بغالبيّةٍ كبيرة، أو بالثلثين، أو بأكثر، وبَعد اتّضاح (قرب) ملامسة “ارتطامها” – عمليًّا وموضوعيًّا وواقعيًّا – في قعر هوّة الصمت المطبق واللامبالاة القاسية. علمًا أنّي أريد لمبادرتكم النجاح، ولا أقصد أنْ أستبق ما قد تصل إليه أو لا تصل إليه (وستصل إليه؟!) قريبًا جدًّا من طريقٍ مسدود.

أرجو أنْ أكون مخطئًا.

يا نوّاب 17 تشرين، يا أصدقائي: أنتم طينة “غير شكل” في حياتنا السياسيّة، فحافِظوا على هذه الطينة. الخيارات واضحة ومحدّدة، والحسابات بالأصوات لا تتحمّل أيّ تَذاكٍ. ليس عليكم سوى تطبيق مندرجات مبادرتكم الانقاذيّة ومواصفاتها الرئاسيّة ولشخص الرئيس. فلا مجال، ها هنا، لرِجلٍ في البور ولرِجلٍ في الفلاحة، ولا خصوصًا للخسّ (المجهض والميت سريريًّا)، ولا أيضًا للطموحات المفرغة من مضامينها وغير الواقعيّة والمستحيلة التطبيق في “مدينتنا غير الفاضلة”، ولا أيضًا وخصوصًا للحركات البهلوانيّة والصبيانيّة.

عليكم بالخطّة بـ. رئيس بمواصفاتكم، نعم. وبعدد الأصوات : 65 فما فوق. ما دام قد تعذّر – أو يتعذّر – رقم الثلثين القياسيّ، وربّما المثاليّ والخياليّ.

إنّي قد بلّغْتُكُم. وأنا أكتب هذا باحتضانٍ دائمٍ ( أكرّر: باحتضانٍ دائم ) و… باحترامٍ شديد.

اخترنا لك