بقلم د. ميشال الشماعي
رأيان يتجاذبان الموضوع الرئاسي في لبنان: الأوّل، وهو دويتو المنظّمة المسلّحة والمنظومة الفاسدة، يسخّف منصب رئاسة الجمهوريّة ويفرّغه من صلاحيّاته. والثاني، وهو المعارضة اللبنانيّة المتعدّدة الأطياف من السياديّين إلى المستقلّين فالنواب الجدد، وهو يولي هذا المنصب أهميّة قصوى على قاعدة أنّه وجه الجمهوريّة.
والأهمّ من ذلك كلّه أنّ مستقبل هذه الجمهوريّة سيرتبط حتماً بالتوجّهات الجيوستراتيجيّة المقبلة عليها منطقة شرق المتوسّط. ففي عمق هذه المتغيّرات، هل ستفتح كوّة في جدار قصر بعبدا ليدخل منها الرئيس «الأمل»؟
ممّا لا شكّ فيه أنّ موضوع ترسيم الحدود هو من طبيعة دوليّة ستؤثّر حتماً في توجّهات العهد الجديد. والمؤكّد أنّه لولا المتغيّرات الدّوليّة لما دُفِعَ بهذا الملفّ إلى الحلحلة.
وعلى ما يبدو إنّ العهد المقبلون عليه سترَسَّمُ فيه خطوط رئاسة الجمهوريّة على خرائط النفط والغاز الموعودَيْنِ في شرقِ المتوسّط. لذلك كلّه، يُخطئ مَن يظنّ أنّه إذا قدّم تنازلات، وبالطبع ليس من حسابه، بل من حساب الدّولة ومن حقّ أولادنا وأبنائنا في هذا البلد، سيؤمّن استمراريّة لنهجه وعهده في الحكم.
إن ثبتَ أنّ هذا العهد المشؤوم قد تنازل عن كلّ ما يتمّ الحديث عنه، بحراً الخطّ 29 وبرّاً رأس الناقورة وما بينهما فعلى الأقلّ وجب رجمه. من هنا، التأكيد على رفض رئيس للجمهوريّة من فريق 8 آذار من قبل المعارضة اللبنانيّة ومعها المجتمعان العربي والدّولي، بدءاً بالمبادرة الكويتيّة وبيان قمّة جدّة والبيان السعودي – الأميركي – الفرنسي المشترك الذي صدر من نيويورك، وصولاً إلى صدور القرار الأممي 2650 بالتجديد لقوّات اليونيفيل، مع الحفاظ على مرجعيّة القرارات الدوليّة 1559 و 1680 و 1701 في صلب هذا القرار، بعكس ما كانت تسعى سلطة إيران في لبنان؛ كلّها مؤشّرات تدلّ على هويّة الرّئيس العتيد، وبالتّالي هويّة العهد الجديد.
من هنا، معركة إيران وعملائها في لبنان هي السيطرة على رئاسة الجمهوريّة لأنّ هذا الفريق مدرك أنّ الرئاسة توازي هويّة الجمهوريّة. لذلك، قدّم هذا الفريق التنازلات السياديّة في مفاوضاته مع العدوّ الاسرائيلي. ولم يتفاجأ اللبنانيّون إطلاقًا بما قام به، وهم يعيشون يوميًّا تداعيات تنازلاته عن السيادة اللبنانيّة لصالح منظمة «حزب الله» ومشغّليها الإيرانيّين، والسوريّين قبلهم، في لبنان.
لكن، على ما يبدو من الاتّجاه الدّولي للأمور أنّ لبنان متوجّه نحو جمهوريّة لا يمكن أن تكون السيادة فيها لمنظّمة مسلّحة مصنّفة إرهابيّة، لأنّه وبكلّ بساطة لا يمكن للشركات النفطيّة العالميّة أن تضع رقبتها تحت مقصلة منظّمة لا تعرف متى تزعزع الأمن والاستقرار في الإقليم كلّه. وهذا ما يدلّ على أنّ هذه المفاوضات إنّما هي فقط لضمان أمن إسرائيل النّفطي ولن تخاطر الشركات النفطيّة العالميّة بوضع طاقاتها وقدراتها تحت تصرّف منظّمة «حزب الله».
وهذا يعني عمليًّا، أنّ دويتو الحكم في لبنان وقّع على خسارة لن تحمَدَ عقباها ولن يتمكّن اللبنانيّون بعد التوقيع النهائي من استعادة خسارتهم هذه. من هنا، مسؤوليّة محاسبة هذا الطبقة المهترئة والتي تعكس هريانها السياسي والأخلاقي على مؤسّسات الدولة كلّها هي مسؤوليّة كيانيّة ترتبط بكينونة لبنان، وليس أقلّ من ذلك أبداً.
فالمطلوب اليوم واحد : رئيس سياديّ يملك القدرات الانقاذيّة التي يستمدّها من دعم اللبنانيّين الأحرار لمشروعه باستعادة كرامة الدّولة، ومن دعم المجتمعين العربي والدّولي لحاجة الأوّل إلى الاستقرار في المنطقة والثاني إلى مصدر جديد للطاقة.
أمّا إذا لم تتوحّد المعارضة حول اسم واحد بسبب تعنّت بعض مَن يحاول أن يشقّ طريقه السياسي فهذا يعني حتماً تحوّل لبنان إلى واحة إيرانيّة فارسيّة صفويّة بالمطلق. إن بإرساء الشغور الرئاسي وتثبيت حالة مجلسيّة للحكم من خارج الأطر والمفاهيم الدستوريّة، وإن برئيس من مواصفات إنبطاحيّة ذميّة تعامليّة.
ولن ينفع بعد ذلك إلا استعادة منهجيّة المقاومة اللبنانيّة الكيانيّة الأصيلة، سياسيًّا ودبلوماسيًّا، والاحتمالات كلّها مفتوحة لأنّ الكرامة الإنسانيّة والسيادة الوطنيّة والحرّيّة الشخصيّة لا تقبل الشراكة. مع التأكيد على وضع المجتمعين العربي والدّولي أمام مسؤوليّاتهما المؤسّساتيّة تجاه لبنان الوطن والجمهوريّة.