١٧ تشرين… في الذكرى الثالثة للانتفاضة : ماذا بقي من البلد ؟؟؟

وفيق الهواري – صحفي وناشط سياسي

يوم الاثنين الواقع فيه ١٧ تشرين الأول ٢٠٢٢، تمر الذكرى الثالثة للانتفاضة الشعبية التي شهد لبنان بدايتها في ذات التاريخ عام ٢٠١٩.

لكن لبنان، وفي هذه الذكرى، يشهد انهيارا غير مسبوقا، لم يشهد له مثيلا منذ تأسيس الكيان اللبناني عام ١٩٢٠. الانهيار المتسارع شمل مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والحقوقية والمجتمعية والسياسية. لكن هذا الانهيار لم يكن ابن ساعته، ولا بسبب الانتفاضة كما يحلو لأصحاب السلطة القول، بل كان نتيجة سياسة تاريخية مارستها السلطة السياسية منذ تأسيس الكيان.

لم يعمل أصحاب السلطة على بناء دولة لكل المواطنين منذ عام ١٩٢٠، بل حافظوا على إبقاء مسافات بين المكونات الاجتماعية والطائفية، وتم الاتفاق على تجديد النظام السياسي الطائفي الذي بني عام ١٨٤٣ وفق ترتيبات شكيب افندي، عبر صيغة جديدة تقضي بإعطاء امتيازات لأقوياء احدى الطوائف على حساب الاخرين. وبعد عام ١٩٥٨ حاول الرئيس فؤاد شهاب بناء دولة قانون ومؤسسات لكنه فشل لتوهمه إمكانية بناء دولة قانون ومؤسسات من داخل النظام الطائفي نفسه.

وبعد اتفاق الطائف توصل اطراف السلطة الى نظام سياسي جديد يعتمد المحاصصة بين أقوياء الطوائف، ورسم سياسة اقتصادية جديدة تعتمد على الريع وتهميش القطاعات الإنتاجية وتحالفوا واستخدموا النظام المصرفي بطريقة تسمح لهم بالاستفادة المالية في مختلف جوانب الحياة. وبدأ الانهيار بالتسارع وهو مسار طبيعي لسلطة سياسية تستفيد من المواقع السلطوية الموجودة وعلى حساب المواطنين.

وبعد عام ٢٠١٣ بدأ الوضع بالتدهور والسلطة عاجزة عن إيجاد حلول مناسبة للمشكلات التي يعاني منها الوطن، وتراكمت النتائج السلبية لهذه السياسات، لكن هذه السلطة نجحت في سن قانون انتخابات جديد عام ٢٠١٧ يفسح المجال امام أقوياء الطوائف لتقاسم السلطات فيما بينهم، لكنهم مارسوا العجز في إيجاد الحلول للناس في الميادين المختلفة، وهذا ما دفع الناس للنزول الى الشارع ورفع شعار “إسقاط النظام الطائفي”، وشعار ” كلن يعني كلن”.

واليوم، الوضع الاقتصادي ينهار يوميا، الزراعة الى تراجع كبير، ولا وجود لصناعة منتجة، ولا قطاعات إنتاجية تسمح للناس العيش بكرامة.

على الصعيد الاجتماعي، معظم الدراسات تشير الى ان نحو ٨٠ بالمائة من الشعب اللبناني تحت خط الفقر، وسياسة السلطة الاجتماعية تحول الناس الى “شحاذين”، والمشكلات العائلية الى ازدياد بسبب الأوضاع الاقتصادية، وتزيد الهجرة وخصوصا في وسط الشباب، الى جانب ارتفاع محاولات الهجرة غير القانونية، اما التعليم فيبدو اننا باتجاه الأمية للناس، وجعل التعلم حكرا على الأغنياء فحسب، والجامعة اللبنانية التي شكلت مساحة مشتركة بين اللبنانيين الى انهيار، والقضاء فهو حسب الطلب ولمصلحة اقطاب السلطة وما تفجير مرفأ بيروت الا نموذج واضح. على الصعيد المالي، لا خطة لاستعادة أموال المودعين بل خطوات تسمح لأصحاب المصارف، وبينهم الكثير من أصحاب السلطة بالاستيلاء على أموال المودعين وفق قوانين تشرع ذلك.

اما على الصعيد السياسي، ما زال أقوياء الطوائف يبحثون عن محاصصة جديدة تتيح لبعضهم مزيدا من قالب الجبنة. وكلهم لا يملكون توجها لحل مشكلات الناس.
اذن السلطة في مأزق، ومن يحمل اسم الانتفاضة في مأزق أيضا.

انتفض الناس في ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩، لكن القوى التي تطلق على مجموعاتها اسم تغييرية لا تملك رؤية ولا خطة للتغيير.

الأحزاب التي تطلق على نفسها أحزاب يسارية او وطنية، لكن في الممارسة العملية لم تحافظ على الاستقلالية المطلوبة لاي فريق يسعى فعليا للتغيير.

ولم تستطع مجموعات الانتفاضة الاتفاق على رؤية واحدة وخطة وبرنامج للخروج من الأزمة، وأول موقف مطلوب منها الاتفاق ان لا حل في ظل النظام الطائفي القائم.

النظام الطائفي في أزمة يفتش عن حلول من داخله وصار هذا من المستحيلات، وقوى الانتفاضة لا تملك برنامج ديمقراطي بديل.

الى ماذا يؤشر ذلك، نحن نتجه الى فوضى مناطقية، كل منطقة يتحكم بها قوي من طائفة معينة حسب المقيمين في المنطقة، اما المناطق المختلطة فتشهد توترات وسعي من أقوياء الطوائف اللصيقة للامساك بمقدرات المنطقة المحددة. ان ما نراه هو بسبب أزمة النظام الطائفي، وهذا ما سيؤثر على الكيان نفسه.

وما هو الاتجاه المطلوب : يمكن أن يكون بداية الاتجاه المطلوب نقاش: كيف نبني مساحات مشتركة بين اللبنانيين وفق المصالح المشتركة ليكون ذلك مدخلا لرؤية تغييرية للخروج من النظام الطائفي القائم على نهب البلد.

اخترنا لك