١٧ تشرين… هل تكون صفقة الترسيم شرارة انتفاضة جديدة ؟

بقلم جورج نادر – عميد متقاعد في الجيش اللبناني

عندما اندلعت انتفاضة 17 تشرين، كانت مطالب المنتفضين بالإجمال اجتماعية، مطلبية، سياسية ، إذ أن الأكثرية الساحقة من الجماهير المحتشدة وجهت سهامها نحو الفساد والطائفية وسرقة أموال الناس، ونهب المال العام، وكان بعض الانتفاضة “يساير” بعضها الآخر في ” كلن يعني كلن”، مستثنياً سلاح حزب الله، الذي بنظره، حاجة وطنية للتصدي لإسرائيل، فيما البعض الآخر يعتبر أن هذا السلاح هو من يقوض أركان الدولة، وهو شريك بالفساد وأداة الاحتلال الإيراني للبنان.

إلى أن بدأ الحزب بقمع التظاهرات والتعدي على المواطنات والمواطنين العزل علنا ومباشرة أمام وسائل الإعلام، في صور والنبطية وكفرمان وساحات العاصمة، وإعلان أمينه العام أن الحكومة الحريرية لن تسقط ، متهما شابات وشباب الانتفاضة بالعمالة للسفارات، وبالأخص السفارة الأميركية.

في التطور اليومي لمسار الانتفاضة، بدا جلياً أن حزب الله هو من حمى منظومة الفساد من السقوط، لأنها شرعت سلاحه وأمنت له الغطاء السياسي، و أباحت له التصرف بسياسة الدولة الخارجية، و بالتدخل خارج الإقليم حتى أضحى قوة إقليمية ومعضلة يرتبط حلها بميزان القوى الإقليمية والدولية، في مقابل حمايته لهذه المنظومة واشتراكه معها في هدر ونهب المال العام وتقويض دعائم الدولة.

واتضحت الصورة أكثر بعد تفجير الرابع من آب، حيث وجهت أصابع الاتهام إلى الحزب باستقدام نترات الأمونيوم، وتخزينها في المرفأ متسبباً بتفجيرها.

وهنا ما يلفت النظر بأن الحزب لم يشر ولو لإمكانية ضئيلة، لضلوع إسرائيل بالتفجير، مع أن رئيس وزرائها بنيامين نتانياهو، غرد على التويتر بان التفجير هو رسالة لحزب الله عسى أن يفهم معناها، وقد مسح تغريدته بعد ثلاث دقائق بعدما اتضح حجم الكارثة، وبعدم القدرة على احتمال نتائجها حتى من قبل دولة تقتل يوميا عشرات الشباب والأطفال في فلسطين المحتلة.

ومما زاد في وضوح المشهد السياسي، هو صفقة ترسيم الحدود البحرية، إذ ظهر حزب الله في أكثر من إطلالة لأمينه العام، أنه يبارك هذه الصفقة، وهو يقف خلف الدولة اللبنانية فيما يتعلق بمسالة الترسيم.

لكن الحزب هو من أعطى إشارة الموافقة على الصفقة منذ إصدار حكومة ميقاتي في 2011 المرسوم 6433، والذي اعتمد الخط 23 كحدود جنوبية للمنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، وأودع المرسوم الأمم المتحدة، مع أن الحكومة ذاتها.

قد كلفت المعهد البريطاني لعلوم البحار UKHO ترسيم الحدود، وقد حدد الخط 29 كحد جنوبي الاقتصادية اللبنانية، ولم تأخذ بالتقرير العلمي، بل عمد رئيسها إلى تمرير المرسوم دونما عرضه على مجلس الوزراء، مع العلم أن الوزراء جميعهم ينتمون إلى محور ما يسمى للمنطقة بالممانعة الذي يقوده حزب الله، وهنا يكون لبنان قد أعلن رسمياً أن المساحة البحرية جنوب الخط 23 ولتي تضم قسما كبيرا من حقل كاريش، هي منطقة غير متنازع عليها.

بعدما رسم الرئيس نبيه بري ما أسماه اتفاق الإطار، كلف الجيش ترسيم الحدود البحرية، وكان قد أنشأ مصلحة الهيدروغرافيا، وأتى تقريرها مطابقاً لمعهد العلوم البريطاني، وقد صرح رئيس الوفد مراراً أن رئيس الجمهورية قد أعطاه التوجيهات باعتماد الخط 29 كحد جنوبي، واعتباره خط ميشال عون.

إلا أنه وبعد فترة وجيزة أعلن أن الخط 29 غير قانوني ويقتضي اعتماد الخط 23 كخط تفاوضي، وتكرر هذا الموقف عدة مرات على لسان وزير الخارجية والمقربين من الرئيس، وهنا لا بد من طرح السؤال : لماذا تغير الموقف اللبناني الرسمي بين ليلة وضحاها، مع أن “إسرائيل” قد اعترفت بالخط 29 في اتفاقية الهدنة الموقعة مع لبنان العام 1949، وفي اتفاق 17 أيار 1983 الذي أسقط لاحقاً ؟ إسألوا ديفيد شينكر.

تجرأ بعض سيدات ورجال الانتفاضة والعلم والفكر وعلى رأسهم الدكتور عصام خليفة، أن يرفعوا الصوت ضد صفقة الترسيم، واتهموا المسئولين بالخيانة العظمي، وعقدوا المؤتمرات الصحفية، وجابوا المناطق اللبنانية شارحين للناس خطورة الموقف، وصفقة بيع ثروات لبنان للعدو، وحصلوا على آلاف التواقيع في الوطن والاغتراب، واودعوا التقارير العلمية والعرائض الموقعة من المواطنين منظمة الأمم المتحدة، وتكون رأي عام حول القضية ضم قسما كبيراً من “جناحي” الانتفاضة.

وأعلنت جمعية الدفاع عن حقوق لبنان البرية والبحرية أنها ستدعو كل الكيانات والمجموعات الثورية والمواطنين إلى الاعتصام في الذكرى السنوية الثالثة للانتفاضة في 17 تشرين في ساحة الشهداء حيث انطلقت شرارة الانتفاضة، فهل تكون صفقة ترسيم الحدود، والمرتبطة عضوياً بفساد السلطة وتبعيتها، هي الشرارة الثانية للانتفاضة في 17 تشرين القادم ؟

اخترنا لك