١٧ تشرين : كانت بتحرز ؟

بقلم سمير سكاف – صحافي وناشط سياسي

من أجمل ما يمكن سماعه اليوم لدى البعض من جمهور السلطة هو أن ثورة 17 تشرين “خربت الدني”! أو أن الثورة كانت عنيفة وكسرت وسط بيروت ! أو أن الثورة قطعت الطرق وعطلت الأشغال…

وكأن البلد كان بأفضل حالاته وقامت الثورة ضد النجاح والازدهار ! في حين أن الثورة قامت نتيجة الانهيار لتكشف عورة الفساد والفاسدين من أهل السلطة، الذين “عملوا البلد عصفورية” و أوصلوا البلاد الى جهنم !

ففي الحقيقة، كل الأحزاب التي شاركت في حكومات السنوات الأربعين الأخيرة تتحمل مسؤولية انهيار البلاد، ولو بنسب متفاوتة وبحسب حجم تأثيرها.

ولكن من الملاحظ أن كثيرين من جمهور أمل وحزب الله “متأكدون” أن أحزابهم ووزراء ماليتهم لا دخل لهم بإفلاس البلد ! وكثيرين من الجمهور البرتقالي “متأكدون” أن 7 وزراء “برتقاليين” للطاقة غير مسؤولين عن العتمة الكاملة التي يعيشها اللبنانيون.

برتقاليون مقتنعون أن عهد الرئيس ميشال عون حقق إنجازات كبيرة للشعب اللبناني، في حين أنه أوصل اللبنانيين الى جهنم…!

وجمهور التيار الأزرق المعتكف متأكد بدوره إن استهدافه “المذهبي” يعفيه من الكوارث التي ارتكبها مسؤولوه من رؤساء حكومات ووزراء ونواب ومدراء عامين… كلهم إما سرقوا مباشرة أم ساهموا مع مصرف لبنان والمصارف بسرقة أموال اللبنانيين والمودعين… ولكن الثورة “خربت البلد” !

زعماؤهم و وزرائهم ونوابهم هرّبوا أموالهم ( وهي أموال الناس ) الى خارج لبنان، ولكن الثورة خربت البلد !

زعماؤهم و وزرائهم ونوابهم تسببوا بتفجير بيروت ومرفأ بيروت وموت حوالى 232 ضحية وجرح حوالى 7.000 شخص وتسببوا بإعاقات دائمة للعديد من الأشخاص ودمروا آلاف المباني وتسببوا بأضرار طالت مباشرة أكثر من 300.000 شخص، وهم كانوا يعلمون بوجود نيترات الأمونيوم في المرفأ، وبحركته على مدى 7 سنوات… ويبحثون في مخيلتهم عن اتهامات وهمية للثورة !

طبعاً، التركيز يكون على من يستلم مقاليد البلاد من السلطة أكثر منه من المعارضة.

لم تنجح الثورة في التغيير كما كانت تريد. وليس ذلك بسبب أخطائها! فقد قام مناضلوها بكل ما يلزم “سلمياً” !

وقد يكون سبب عدم نجاحها بالفعل هو عدم “عنفيتها”، وعدم تجاوب المجتمع الدولي مع مطالبها. وكذلك، لم ترافق ثورة الشعب ثورات ثلاث أخرى، أي ثورة الجيش وثورة القضاء وثورة الاعلام !

لم تقم الثورة إطلاقاً بأعمال تخريبية على الرغم من بعض الشذوذات التي لا تذكر.

لكنها في المقابل قدمت شهداء وقدمت أجسادها ودمائها وتعبها ونضالها… على الأرض، في الساحات، في الاغتراب، في الإعلام… وفي كل مكان ممكن.

تخطت الثورة الحواجز المناطقية والطائفية والمذهبية وبنت جسوراً بين الناس، بين ناشطين لا يعرفون بعضهم البعض من كل المناطق والطوائف والمذاهب، وتخطوا ما يفرقهم، وأصبح الكثير منهم إخوة.

تحتاج التضحيات التي قدمتها الثورة للمجتمع وللشعب اللبناني الى مجلدات للحديث عنها. وهي قد وضعت حجر أساس لرؤية لبنان المستقبل.

لبنان، الدولة السيدة الحرة المستقلة حيث لا سلاح فيها سوى للجيش والقوى الأمنية، دولة المواطنة والقانون، بعيداً عن الطائفية والمذهبية، وطناً خالياً من الفساد، تتحقق فيه العدالة الاجتماعية.

لم تحقق الثورة هذه النتائج فوراً. ولكن تاريخ الثورات يشهد أن تضحياتها ستعطي ثماراً ولو بعد حين. “إيه كانت بتحرز” !

اخترنا لك