١٧ تشرين… مهمة واحدة لا غير : بناء قطب لاطائفي

بقلم بول الأشقر – صحافي متقاعد وناشط سياسي

مرت ثلاث سنوات على انتفاضة 17 تشرين التي رأت مئات الآلاف من اللبنانيين واللبنانيات تخرج من تحت عباءة نظام الزعماء أو على الأقل تتمنى مستقبلاً مغايراً عنه لها ولأولادها… ثم خفِتَ هذا الصوت الآتي من مكان مجهول لم يحسب له أحد حساباً، لا من الحكام ولا من المعترضين عليهم… من بعد، همشته جائحة كورونا، ولم تكن استعادته ممكنة حتى عندما انهار البلد… الانفجار الرهيب في المرفأ وحده أوحى بعودة الصدى، ولكن للحظات معدودة.

لئلا نغرق في نوستالجيا بلا جدوى، لا بدّ من تحديد أولاً ماهية الانهيار؛ وثانياً موقع الاعتراض في المشهد كما هو؛ وثالثاً شروط ارتقائه إلى مستوى المعارضة الموثوقة.

أولاً انهيار البلد

يعاني لبنان من انهيار خطير، في ظل تفاقم أزمة نظام المحاصصة الطائفية، وانتهاك الدستور والقوانين، وتدهور أركان الدولة والمؤسسات وتلاشيها، وتمادي النهب الاقتصادي والمالي إلى حد غير مسبوق. وقد جعل ذلك معظم اللبنانيين جيشاً من الفقراء والعاطلين من العمل، وأطاح شعور الأمان في انتظار فتات المساعدات المذلة.

وفيما ينهار الوطن ومقومات العيش والحياة فيه، يفقد الرمق الأخير من السيادة والاستقلال، ويُستباح بالتدخلات الخارجية التي حوّلته ساحة أمامية من ساحات الصراع الدولي والإقليمي على حساب هويته الوطنية ومصالح شعبه.

النفق طويل ومظلم، لكن نقطة مضيئة ما زالت ماثلة في الأفق حتى لو أتى الضوء من الوراء، ذلك أن انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 وقد مرت عليها ثلاث سنوات أثبتت أن الأمل متاح، وكذلك التغيير، وأنّ في هذا البلد، نساءً ورجالاً، شيباً وشباباً، لو قدّر لهم سلوك مسار تغييري، صحيح وواضح ومستقل لا لبس في وطنيته، لغيّروا مجرى الأحداث.

أمام ضخامة الإنهيار الحاصل، أنصاف الحلول لم تعد مجدية، ولا التسويات الفوقية أو مراعاة التحالفات المحلية أو الإقليمية والحسابات الخارجية على حساب المصالح الوطنية العليا. لبنان، فكرة ووطناً وشعباً ومجتمعاً، يستحق أكثر.

ثانياً موقع الاعتراض في المشهد العام

نحن أمام معضلة علينا طرحها بصدق لنستطيع معالجتها. يعيش نظام الزعماء الطائفيين المتحكم بمصير العباد والبلاد منذ اتفاق الطائف أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية لم يعرف مثيلاً لها من قبل. إن عمق هذه الأزمة لا يعني تخلي أتباع الزعماء عن زعمائهم ولا فراق قواعد الأحزاب الطائفية عن أحزابها.

هذه ميزة السوسيولوجيا اللبنانية، وهي تختلف عما كان ليحدث في ظروف مماثلة في مجتمعات أكثر تجانساً. عندنا في لبنان، العوز والقلق الناتج عنه لا يولدان التغيير بل يمنعانه.

في المقابل، صار الاعتراض خصوصاً بين الشباب وبين الطبقات الوسطى جزءاً من المشهد العام، وهذا معطى جديد وإيجابي لأنه يدلّ على تطورات تحصل داخل المجتمع.

ومن الممكن قياسها من خلال التطور الحاصل بين حراك عام 2015 وانتفاضة عام 2019 مثلاً، أو بمقارنة نتائج اللوائح التغييرية ( التي لم تتحالف مع قوى سلطوية لا في عام 2018 ولا في عام 2022 ) : قبل أربع سنوات، نالت حوالى 65 ألف صوت ومثلت 3،5% من أصوات المقترعين، أما في 2022 فكنّا 230 ألف صوت قرابة 12% من المقترعين.

حذار السكر من زبيبة، لن يتطور الواقع آلياً لمصلحة المعطى الإيجابي. لأنه لم ينتج عن تبني له، بل عن رفض لبشاعة الواقع والأخرين. إذاً، ما العمل ؟

ثالثاً إجتياز عتبة المعارضة

من الممكن تلخيص التحدي المطروح على القوى الرافضة بمهمة وحيدة: الخروج من واقع الاعتراض واجتياز عتبة المعارضة. وهذا التغيير النوعي يتطلب منا التحرر من عيوب تكبلنا التي تعيدنا كل مرة إلى نقطة الصفر. مع الانهيار الذي يحاصر الجميع، ستنتقل الأدوات التي حسبناها يوماً لنا – الصراخ والتكسير الخ- إلى أيادي أخصامنا.

كيف العمل ؟ علينا أولاً أن نعي أن القطب الطائفي هو أرخبيل جزر حيث لكل زعيم و حزب طائفي كانتون جغرافي وجمهور مذهبي يعتبرهما مجاله الحيوي ويدعي الدفاع عنهما. أحياناً يختلفون وتكراراً يتفقون، ولكن ما يدبرهم هو قانون يجعلهم كيفما نظرت إليهم قطباً طائفياً موحداً. وعلينا أن نستوعب أن الوطن المنكوب، وقد احتلوا كل مساحته، لن يعود ويقف على رجليه إلا إذا نجح شعبه في توليد قطب لاطائفي.

هذه مهمتنا وهذه مسؤوليتنا. الكوادر متوافرة في المناطق والمهن كلها، من المذاهب والعقائد كلها. عليهم أن يخرجوا من الوضعية الرفضية لدخول عالم السياسة الإصلاحية حيث المطلوب متابعة الخطط والاقتراحات حتى إقناع الرأي العام بها.

عليهم أن يطلوا برؤوسهم إلى خارج ما ترسمه الأحزاب و المجموعات، فالبلد والمعارضة بحاجة إلى إطار حديث ومتنوع، تنظمه ممارسة ديموقراطية قادرة على جذب المواطن العادي أو المواطنة العادية وحفظ الحقوق والكرامات داخل هذا الإطار وخارجه. هل هذا طلب المستحيل ؟


بول الأشقر

– صحافي متقاعد.
– المنسق العام لـ”اللقاء من أجل الانتخابات البلدبية والاختيارية ” في حملة “بلدي بلدتي بلديتي” (1997- 1998)
– الناطق باسم حملة “حقنا نعرف” المناضرة لـ “لجنة أهالي المفقودين” (منذ عام 2014)
– عضو مؤسس لـ”المنتدى المدني” (2016)
– عضو مؤسس لـ ” المبادرة / درابزين 17 تشرين” (2020)

اخترنا لك