بقلم غسان صليبي
قلت
فلتكن نزهة
إلى الأرز.
ما كدت أتجاوز شكا صعوداً
حتى أطلّت عليّ
البلدات والقرى
الجميلة.
جميلة للحظة،
اذ تخيّلت بعدها
مشهد تدميرها
من إسرائيل.
فجأة
رأيت المنازل
تتهدم
على رؤوس
أهلها.
استغربت
هذه المخيّلة التشاؤمية
التي لم اعتد عليها،
فهل انا في الشمال
ام في الجنوب،
هل انا على طريق الارز
ام على طريق النبطية؟
ليس تشاؤما
طمأنت نفسي،
فلا اتوقع ان يحصل في الشمال
ما يحصل في الجنوب،
وهذه ليست بالتأكيد
تمنيات لاواعية
ان يحصل في الشمال
ما حصل في الجنوب،
الا إذا كنت قد تحوّلت
بعد كل هذه المصائب التي تحيط بي
الى عدميّ ساديّ
يستمتع بتعميم الخراب.
على الارجح
اني تأثرت بمشهد جمال البلدات والقرى
بقرميدها الأحمر
والوان الخريف
التي تزين شوارعها ومحيطها،
فشعرت بغصة
اذ تذكرت تلقائيا
بيوت الجنوب المهدمة،
فتخيّلت المشهد
وكأنه يحصل امامي،
غير آبه بالمكان الذي يحصل فيه
طالما هو في بلدي
وعلى اشلاء شعبي.
اكملت طريقي
مذكّرا نفسي أنني في نزهة
وعليّ الاستمتاع
بما أشاهد
بدل الغرق
حتى الاختناق
في نكبة بلادي.
توقفت
عند “حلويات الحلاب”
في بلدة كسبا،
وما أن اقتربت من المدخل
حتى لاقتني سيدة محجبة باللون الاسود
وبادرتني بالقول “انا مهجرة من الجنوب”.
لا ادقق في العادة
في هوية المتسولين
ولا يهمني أن كانوا محتاجين بالفعل
حتى ابادر الى مساعدتهم،
فأن تضع نفسك في موقع المتسوّل
هو بحد ذاته محرجاً ومذلاً
ويحتاج الى التفاتة انسانية
حتى ولو لم يكن المتسوّل محتاجاً
او يتلبس حالة اجتماعية كاذبة.
لكن ما صدمني
وكاد ان يبكيني
في هذه الحالة تحديدا،
هو ان السيدة المتسوّلة
اعتبرت انه يكفي أن تقول
انها “مهجرة من الجنوب”
حتى اقتنع بحجة التسوّل!
ما كدت اجلس الى طاولة
لأكل “صحن كنافة”
واحتساء “فنجان قهوة”
حتى سمعت صوت شاب
يصرخ بأعلى صوته
“حلّوا عن أ….”
ويكررها مرات عدة،
فالتفتُ الى الوراء
ورأيت مراهقا ينام على الارض
الى جانب سيارة،
مما استدعى قدوم أصحاب السيارة
ورفعه عن الارض
والطلب منه الابتعاد،
قائلين انه كان يحمل سكينا بيده.
لم تتضح لي
“مشكلة” هذا المراهق
وممن كان يطلب
ان “يحلّوا عن أ….”
بهذه الحدة،
مع العلم ان أعداء
“أ….” المراهق
هم كثر في مجتمعنا.
بدا لي المراهق غير متزن
وهو يخطو مبتعداً،
فسمعت احدهم يقول
“هيئتو محبحب”
وآخر يتمنى الا تصدمه سيارة،
لا خوفاً عليه
حسبما فهمت
بل حتى
لا “يبتلي به” سائقها!
واصلت طريقي
الى “الارز”،
وشجرة الارز
هي رمز لبنان
المتجذّر في التاريخ،
والذي علّمونا انه لا يموت
حتى ولو مات شعبه
او فقد عقله
كل عقد او عقدين،
في الشوارع وتحت ركام البيوت.