بقلم نانسي اللقيس
@lakiss_nancy
في لبنان، أصبحت بعض الأوصاف السائدة تجاه الطوائف جزءًا من المشهد العام، مسهمةً في تعميق الفجوة بين أبناء الشعب الواحد. تُستخدم تعابير مثل “بيئة حاضنة للتكفير” عن الطائفة السنية، و”بيئة حاضنة للتفجير” عن الطائفة الشيعية، وكأنها توصيفات ثابتة. ولكن، هل تعكس هذه العبارات الواقع أم أنها نتيجةٌ للتأثيرات السياسية والعسكرية لبعض الأطراف؟
لا يمكن إنكار أن وصف “البيئة الحاضنة للتفجير” المرتبط بالطائفة الشيعية يعود في جزء كبير منه إلى دور حزب الله، الذي أسهم في بناء أجيالٍ عاشت وترعرعت ضمن فكر المقاومة المسلح. حزب الله نجح في فرض نفسه كقوة عسكرية وسياسية، لكنه أيضاً كرّس صورة ترتبط بالطائفة الشيعية بشكل كبير، حيث تتصدر الساحة أخبار العمليات العسكرية في الداخل والخارج، تحت راية المقاومة والدفاع عن “المقاومة”. هذا التوجه المسلح الذي اتبعه حزب الله دفع بالبعض إلى ربط الطائفة الشيعية ككل بهذا النوع من الخطاب، مما جعلها في نظر البعض “بيئة حاضنة للتفجير”. إلا أن هذا الوصف يغفل الواقع الفعلي؛ فالطائفة الشيعية لا تقتصر على حزب الله، بل تشمل أيضاً أطيافاً كبيرة من اللبنانيين الذين يرفضون العنف ويطمحون للعيش بسلام في وطنهم بعيداً عن الحروب والصراعات.
أما وصف “البيئة الحاضنة للتكفير” المرتبط بالطائفة السنية، فقد بدأ يتسارع في الانتشار منذ ظهور جماعة داعش وانتشاره في المنطقة. هذه الجماعة المتطرفة، التي اعتمدت على خطاب التكفير والعنف، حاولت استغلال بعض البيئات السنية لدعم خطابها المتطرف، مما جعل البعض يربط الطائفة السنية بهذه الظاهرة. ومع أن التطرف لا يرتبط بأي طائفة بعينها، فإن ظهور داعش وحملاته الإعلامية والعسكرية قد أسهم في تعزيز هذه الصورة النمطية. لكن هذا التصور يغفل حقيقة أن الطائفة السنية في لبنان تحتوي على فئات متنوعة، والكثير من أعضائها يرفضون الفكر التكفيري ويسعون للعيش بسلام بعيدًا عن التشدد والتطرف.
إن هذه الأوصاف، سواء “البيئة الحاضنة للتكفير” أو “البيئة الحاضنة للتفجير”، تبسط الوضع وتغفل الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الأعمق. فالتطرف لم يكن يوماً نتاجاً لطائفة بعينها، بل هو نتيجة تراكمات تهميش وتدخلات خارجية استغلت الأوضاع المتردية في بعض المناطق. وهذه التصنيفات تلقي باللوم على الطائفة ككل، في حين أن جزءاً كبيراً من أفرادها يرفض العنف وينشد الأمن والاستقرار.
إن شيوع مثل هذه الصور في الخطاب العام يعزز الانقسام، ويغذي نظرة الريبة والخوف المتبادلة بين اللبنانيين. وهذه التصنيفات، التي تعيد إنتاج صور نمطية سلبية، تمثل حاجزاً أمام وحدة الصف وتعرقل إمكانية التفاهم والحوار. كما أنها تُعطي شرعية لبعض الجهات المتطرفة للتمادي في خطاباتها التحريضية، معتبرةً أن الطوائف الأخرى عدو ينبغي التخلص منه، مما يزيد من احتمال اندلاع صراعات داخلية.
لتغيير هذه الصورة، يجب على وسائل الإعلام والقيادات الفكرية والدينية أن تتبنى خطاباً يوحد اللبنانيين بدلاً من تعزيز الانقسامات، وتعمل على تصحيح الصورة بعيداً عن التعميم والأحكام الجاهزة. من الضروري تقديم نماذج إيجابية من داخل كل الطوائف، تبرز أن التنوع هو منبع قوة لبنان وليس سبب ضعفه.
في النهاية، يجب أن ندرك أن لبنان ليس بيئة للتطرف، بل هو بلد متنوع وشعبه ينتمي إلى تاريخ طويل من التعايش. وهذه التصنيفات المستحدثة لا تمثل إلا انعكاساً لأزمات سياسية وصراعات خارجية جلبت إلى الداخل. مسؤوليتنا أن نرفض هذه التصنيفات، ونحارب الفكر المتطرف بكل صوره، وأن نسعى جاهدين لبناء لبنان آمن ومستقر، حيث يمكن للجميع العيش بسلام واحترام متبادل بعيداً عن التعميمات والأحكام الجاهزة.