مريم مجدولين اللحام
حسناً صنع الشيخ حسن مرعب عندما قرر اعتزال القِسمة، واعتكاف الشرذمة، وترك زيف ما كان يروّج له من مواقف سياسيّة باسم السنّة، لا يتبناها أهالي بيروت، ولا تمت بصلة لزوّار ومصلّي جامع الإمام علي في طريق الجديدة حيث يَؤمّ. لعِبَ مرعب مقداراً من التعبئة مطوّلاً، فأضاف التلوينة السُّنية للخطاب “الممانع” من باب الإبتزاز العاطفي بالقضية الفلسطينيّة، حتى شُبّه لأبناء بيروت بأنه سفير لمصالح إيران بلا “بيجر” وبلا مرجعيّة.
تخوّف وخشية
لم تكن مواقف مرعب التحريضيّة على المسيحيين عامّة و”القوات اللبنانية” خاصّة، مُجرَّد رُؤية عابرة، بل أوشكت أن تتحوّل واقعاً يفرضه “حزب الله” على أدبيات الخطاب السُّني العام. خطاب يكيل بمئة مكيال، وينحاز في النتيجة إلى منطق القوّة، من فم مُعمَّم برتبة “المفتّش العام المساعد لدار الفتوى”، يُعيد ضبط الشارع وتدجينه، فيُصار إلى الاستشهاد بأقواله تعميماً بأن الخيار الإسلامي سنّة وشيعة متوأم، يُشيطن الرأي العام المسيحي، ويُقدّم المصلحة الفلسطينية على اللبنانية ويختار الحرب لا الحياد. إلى أن انتهى به منصاعاً لمن تحدّث مطوّلاً باسمهم!
بدأت رحلة ترك منبر تزييف الحقائق وغسل الأدمغة، والتأثير على الرأي العام، بما يتناسب وأجندة “حزب الله” الخفية، عندما تداول بعض شباب “حيّ البرجاوي” رسائل نصيّة تدعو أهالي طريق الجديدة “لتشكيل لجنة من مخاتير وفاعلين وقوى أمن وجيش، للتوجّه إلى كل المدارس والأبنية بهدف التدقيق بهويات كل من لجأ إلى الأحياء البيروتية. كما التوجّه إلى دار الفتوى لإخراج مرعب من المنطقة”، تحديداً بعدما هدَّده الصحافي الإسرائيلي إيدي كوهين بشكل مبطّن عبر منصّة” إكس” سائلاً: “هل أنت مرعب أم مرعوب”.
بعدها تناقلت مواقعُ إخباريةٌ وحساباتٌ في وسائل التواصل، بلا عدد، وبهمّةٍ ظاهرة، امتعاضاً سنيّاً كبيراً من مواقف الشيخ حسن مرعب التي تعكس صورة غير صحيحة عن رضى السنّة في لبنان عن خيارات “حزب الله”.
وتلاها كتب وُجّهت إلى دار الإفتاء من نخبة بيروت تطالب المفتي بالتدخّل ومنع مرعب من إمامة المصلّين بسبب “العراضات المسلّحة والمرافقة” التي يتجوّل بها وتثير حفيظة الأهالي. كما تسأل المرجعية التدقيق بملف شهاداته المشكوك، بحسبهم، بصحّتها.
ولما تعالت الأصوات المتخوّفة من ضربة إسرائيلية تطال مرعب أو التي تخشى من اغتيالات لأي من ضيوف المنطقة المستهدفين على غرار الاستهدافات السابقة في النويري ورأس النبع والبسطة ومار الياس والباشورة، قرّر مرعب، الرضوخ لمشيئة الأكثرية “بلا شوشرة”.
ليست القضية هنا، إنما في ما إذا كان مرعب لا يعي حقاً خطورة الخطاب التجييشي الذي كان يعزف به على وتر جرّ شباب بيروت إلى شيءٍ من اللاتوازن والشرخ الطائفي تحت عنوان إسناد غزة. ولعلّه طريفٌ أن نقرأ له تغريدة “توبة” أخيرة، ونسمع له تسجيلاً صوتياً يعتزل فيه ويعتكف ويناجي ربّه من باب البطولة والحرص على أبناء بيروت.
بيئة غير حاضنة لـ”الحزب”
جرح جمهور رفيق الحريري الأوّل، حيث معقل “تيّار المستقبل” والسابع من أيار، لم يلتئم. ذاكرة شعبية لا يمكن إلباسها “طربوش” جبهة الإسناد بالقوّة ولا بخطابات الجمعة. ما حدث مع الشيخ مرعب ليس إلا ترجمة فعليّة لرأي الناس الحقيقيّ، الرافضين أن يُقدّم لهم الذئب على طبق من البراءة.
كان مرعب آخر أفراد “أوركسترا” داعمي خيار “الحزب” من السنّة. سبق اعتكافه انسحاب “الجماعة الإسلامية” من الميدان، بعد إعادة قراءة وتصويب للخيارات بما يتناسب مع مشيئة و”ضغط” الأكثرية السُّنيّة التي أيقنت أنه لن يتأتّى من هكذا مسار أيّ مردودٍ لصالح اللبنانيين أو لصالح الشعب المكلوم في غزّة.
قالت بيروت كلمتها: “لبنان أولاً” وسلامة المواطنين ثانياً ودعم القضايا المحقّة لا يكون عبر التعبئة العسكرية ولا الدينيّة، فالجميع مع خيار الدولة. وجاءت ردّة الفعل عبر الأطر الصحيحة واللجوء لدار الفتوى لا لشريعة الغاب.
ليس في جعبة بيروت سوى الشرعية، والاحتضان المحلّى بالوعي من دون تهوّر وعشوائية أو تبعيّة ضمن إطار دولة القانون والمؤسسات. فالحُطام الذي تتعدّد في بيروت تفاصيله لا يمكن أن يندرج تحت عنوان “بيئة حاضنة سنية لحزب الله” بل بيئة مقاومة لبنانية لأي تفكيك أو أذى يلحق بلبنان.