بقلم ميراز الجندي
لطالما اقترن اسم نبيه بري، عميد البرلمانيين العرب وربما في العالم، برئاسة مجلس النواب اللبناني. لكنه أيضًا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالفساد في مؤسسات الدولة، حيث أصبحت ميليشيا “أمل” التي يقودها رمزًا للفساد المقونن. كيف يمكن التصدي لهذا الفساد إذا كان من يتربع على عرش التشريع هو نفسه “عراب” منظومة الفساد؟ هكذا، تحول الفساد في لبنان إلى فساد قانوني محصن بقوانين وقرارات تصب في مصلحة المنظومة الحاكمة.
منظومة السلاح والفساد: تكامل وتضامن
لا يمكن الحديث عن الفساد في لبنان دون الإشارة إلى معادلة السلاح والفساد، حيث يغطي الفساد السلاح، ويحمي السلاح الفساد. بهذا التعاون غير المقدس، بات السلاح شريكًا في منظومة الفساد، مما أدى إلى تعقيد المشهد اللبناني وتكريس حالة من الجمود السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ومن هنا، تأتي الحاجة للبحث في جذور هذه الأزمة لفهم طبيعتها وأسبابها.
الفساد والسلاح والطائفية في لبنان : ثلاثية الأزمات الكبرى
الفساد : حجر الزاوية في الأزمة اللبنانية
يُعتبر الفساد المستشري في لبنان من أبرز تجليات الأزمة السياسية. فمنذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، ورغم الفرص العديدة لبناء دولة مؤسسات، بقي الفساد متجذرًا في كل مفاصل الدولة. توزع الحصص السياسية والطائفية حوّل المناصب إلى مكاسب، مما عزز غياب الشفافية والمحاسبة.
الفساد في لبنان لا يقتصر على نهب المال العام، بل يمتد إلى المحسوبية، الرشوة، تهريب الأموال، وتقاسم المنافع بين المتنفذين. والنتيجة؟ انهيار الخدمات الأساسية، وتفشي الفقر، وتراجع ثقة المواطن بالدولة.
السلاح خارج سيطرة الدولة : معضلة أمنية وسياسية
يُعد وجود السلاح خارج إطار المؤسسات الرسمية تحديًا كبيرًا يهدد الأمن والاستقرار. أبرز مظاهره يتمثل في تسليح “حزب الله”، الذي يمتلك ترسانة عسكرية ضخمة تجعل منه لاعبًا إقليميًا يعرقل السيادة الوطنية.
هذا السلاح الذي يستخدم لفرض أجندات خارجية ساهم في تعطيل عمل الدولة، وشلّ المؤسسات الرسمية، وتحويل لبنان إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية. وقد تجلى ذلك مؤخرًا في شلل انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، بقرار من رئيس مجلس النواب نبيه بري تحت ذريعة “التوافق”.
الطائفية : عائق أمام التقدم
النظام الطائفي في لبنان يُعتبر العقبة الأكبر أمام بناء دولة مؤسسات. بدلاً من الكفاءة، يتم توزيع المناصب على أسس طائفية، مما يكرس الولاءات الطائفية على حساب الولاء للوطن. وبهذا، تصبح الطائفية حاجزًا أمام أي إصلاح سياسي أو اقتصادي، وتمنع تجديد الطبقة السياسية.
التداعيات الاقتصادية والاجتماعية
الأزمات السياسية والأمنية الناتجة عن الفساد والسلاح والطائفية تركت بصمة قاتمة على الاقتصاد اللبناني. فمنذ عام 2019، يعاني لبنان من انهيار مالي غير مسبوق أدى إلى:
انهيار العملة الوطنية.
تفشي البطالة والفقر.
هجرة العقول والكفاءات.
أما اجتماعيًا، فقد أدى ذلك إلى إحباط جماعي وشعور متزايد باليأس بين اللبنانيين، مع تعمق الانقسامات الاجتماعية.
الطريق نحو التغيير
لبنان بحاجة إلى إصلاحات جذرية تشمل:
1. محاربة الفساد: من خلال تعزيز الشفافية والمحاسبة.
2. نزع السلاح غير الشرعي: لضمان سيادة الدولة ووحدتها.
3. إلغاء الطائفية السياسية: واستبدالها بنظام يعتمد على الكفاءة والمساواة.
إذا لم تتحقق هذه الإصلاحات، فإن لبنان سيبقى رهينة الفساد والطائفية والسلاح. وفي ظل غياب التوافق السياسي، قد يجد لبنان نفسه أمام خطر أن يُعلن دولة مارقة، ما يستدعي تدخلًا دوليًا لمساعدته على إعادة بناء مؤسساته.
الأمل الوحيد للبنان يكمن في تجاوز الأزمات الحالية عبر بناء دولة مدنية حديثة تستند إلى العدالة والمساواة. الطريق ليس سهلاً، لكنه يبدأ بإجتثاث كامل للسلاح خارج إطار الدولة، وتفكيك منظومة الفساد، والعمل على وضع مصلحة لبنان فوق كل اعتبار طائفي أو حزبي.