بقلم د. علي خليفة
لكلّ دولة رئيس: رمز وحدتها ورأس السلطة فيها. لكن في لبنان، لنبيه برّي دولته. يختصرها بشخصه. يختزلها بدوره. ولا يرى في دستورها وقوانينها إلا مسارعةً في هواه. وهو وهي، بهذا المعنى، دولة الرئيس.
ومع اشتداد غلواء الشيعية السياسية، تكرّست دولة نبيه برّي في سياق ممارسة السلطة التي أضحت تشبه تقلّب الأفعى ذات الرؤوس الثلاثة منذ بداية الجمهورية الثانية.
في دولة نبيه برّي، لا يستريح برّ ولا يستراح من فاجر. ولا يؤخذ للضعيف من القوي؛ فليس سوى الضعيف من يذهب إلى القضاء بحسب تعبير دولته.
في دولة نبيه بري، لا يحاسب مجلس النواب الحكومة كما في الأنظمة الديمقراطية البرلمانية. الحكومة صورة مصغرة عن البرلمان، ويهمّشها غبّ الطلب. بل يمكن أن يعتب دولته على دولته بسبب تقصيرها أمام أكبر أزمة نزوح ناتجة عن حرب لم تعلنها الدولة.
يخطف مجلس النواب ويمنع انعقاده لانتخاب رئيس الجمهورية وجوباً ويصادر صلاحياته. ولا يتجرأ نائب رئيس المجلس على المبادرة، ولا عشرة نواب على تقديم عريضة لطرح الثقة بأداء الرئيس الخارج عن طوع الدستور. ففي دولة نبيه برّي، مواد الدستور رخوة وتفسيرها منوط بمزاجه: فهذه مادة للاستئناس، وتلك مادة للالتفاف، وتيك مادة رجليها من الشباك، بحسب تعبير دولته أيضاً.
وهو بذلك ينقلب على النظام السياسي ليس أقلّ، والمطلوب إقامة النظام ليس أكثر.
وعلى الرغم من كلّ ما سبق، وبعدما لم يعد للرجل ما يقدّمه فأصبح يضيف سنوات فارغة على سيرته ومسيرته، ثمة من يراهن عليه بموقف تاريخي مفصلي. وكأنّي به، وهو يتأبّط متقصّدًا يد علي لاريجاني بعدما أخضع أمن المطار الوفد الإيراني المرافق للتفتيش، يقول للجميع إنه خاضع بشكل كامل ومقدّم سلفًا لمظلة السياسة الإيرانية التي ضمنت له في مقايضات سابقة جثومه في موقع رئاسة مجلس النواب على امتداد عقودٍ خلت.
في رواية 1984 لجورج أورويل، أقنع الأخ الأكبر الناس، بعد مصادرة وعيهم، بشعارات الحزب الحاكم الذي يعيش على مفهوم الحرب الدائمة: الحرب هي السلام، الحرية هي العبودية، الجهل هو القوة. وعندما اصطفى نعيم قاسم، الأمين المتبقي لـ”حزب الله”، لقب الأخ الأكبر لأبي مصطفى، إنما يعيد تذكير من تخونه ذاكرته أو من يندفع لتجربة المجرّب وانتظار نتائج