بقلم ميراز الجندي
قبل الغوص في تفاصيل المقال وتحليل الأوضاع، من الضروري الإشارة إلى ما يُتداول بين أنصار الرئيس الأسبق سعد الحريري وبعض العاطفيين من محبيه. يُقال إن سعد سلم معظم مفاصل الدولة إلى “حزب الله”، وعقد تياره عشرات جلسات الحوار مع الحزب، انتهت بشراكة في الفساد تحت عنوان “ربط النزاع”.
إرث سعد الحريري
لا يمكن إنكار أن سعد الحريري، النجل الأوسط للرئيس الشهيد رفيق الحريري، دخل الساحة السياسية محملاً بإرث عاطفي كبير واستعطاف معظم اللبنانيين، خاصةً أهل السنة. تُرجم هذا الدعم في انتخابات 2005، عقب اغتيال والده من قبل “حزب الله”، وفقاً لنتائج التحقيقات وقرارات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.
رغم هذا الدعم الشعبي والسياسي، إضافة إلى دعم عربي ودولي غير مسبوق، أضاع سعد الفرصة لبناء مؤسسات الدولة. جاءت خسارته نتيجة عوامل عديدة تتعلق بحساباته وتصريحاته، حيث كثيراً ما برر قراراته تحت شعار “كرمال البلد” و”خوفاً على الحجر”. لكن هذه الشعارات قادت إلى حالة من التهاون والخضوع، فتحول سعد وتياره إلى أحد أهم رموز الزبائنية والفساد، رضوخاً للسلاح في لبنان.
الزبائنية والفساد في لبنان: نموذج متجذر
تُعد الزبائنية أحد أبرز أوجه الفساد في لبنان، وهي جزء لا يتجزأ من النظام الطائفي والسياسي في البلاد. تعود جذور هذه الظاهرة إلى تاريخ طويل من التقسيمات الطائفية، حيث أصبحت الزبائنية وسيلة لتوزيع الموارد والخدمات وفقاً للولاءات العائلية أو الطائفية، لا الكفاءة.
آليات الزبائنية
تعتمد الزبائنية على علاقة تبادلية بين السياسيين والناخبين، حيث يوفر السياسي الخدمات والمنافع لمؤيديه مقابل الولاء. ومن أبرز آلياتها:
التوظيف العشوائي: تعيين الأفراد في القطاع العام بناءً على الانتماء الطائفي بدلاً من الكفاءة.
المشاريع الإنمائية الانتقائية: التي تخدم مناطق أو جماعات معينة لتحقيق مكاسب سياسية.
الوساطة والمحسوبية: تجاوز القوانين لتحقيق مصالح شخصية أو حزبية.
آثار الزبائنية
إضعاف مؤسسات الدولة: حيث تُستخدم المؤسسات العامة لخدمة النخب بدلاً من الصالح العام.
انعدام المساواة: إذ يُحرم من لا ينتمون إلى شبكات الزبائنية من الخدمات.
تعميق الفساد: حيث أصبحت المحسوبية والرشوة جزءاً من الحياة اليومية.
أحداث الساعة: شراكة في الفوضى
مع كل عدوان ودمار يُستجلب إلى لبنان، تعلو أصوات “حزب الله” معلنة عن “انتصارات إلهية”. الجديد اليوم هو مشاركة بعض أنصار تيار المستقبل في هذه الخطابات، إضافة إلى منسقيات التيار التي نظمت وقفات احتجاجية إلى جانب “حماس” والجماعة الإسلامية، متناسين الشراكة القديمة مع “حزب الله” التي ساهمت في ترسيخ الوضع الراهن.
مواجهة الزبائنية والفساد
للتخلص من هذا النظام المتجذر، لا بد من اتخاذ خطوات جدية تشمل:
1. إصلاح النظام الانتخابي: لضمان التمثيل العادل والحد من النفوذ الطائفي.
2. تعزيز الشفافية والمساءلة: عبر قوانين صارمة لمكافحة الفساد.
3. بناء دولة المواطنة: عبر تأمين الخدمات بشكل عادل لجميع المواطنين دون تمييز.
تشكل الزبائنية أحد أبرز العوائق أمام الاستقرار والتنمية في لبنان. إنها ليست مجرد ظاهرة عابرة، بل نظام متكامل يقتات على ضعف الدولة وانقساماتها الطائفية. التخلص من هذا الإرث الثقيل يتطلب شجاعة سياسية وإصلاحات جذرية لبناء دولة تقوم على العدالة والمواطنة، بعيداً عن المحاصصة والفساد.