في اليوم العالمي لـ #حقوق_الإنسان : متى يسقط نظام #الأسد في #لبنان بعد أن سقط في #سوريا ؟

بقلم غسان صليبي

أكتب هذا النص بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، وبعد يومين من سقوط نظام الأسد في سوريا، وعشرة أيام على وقف إطلاق النار في لبنان. وتراني أنظر الى المناسبات الثلاث بعيون بعضها البعض، وكأن الواحدة جاءت لتدعم الأخرى، وبالتسلسل الزمني. فوقف إطلاق النار في لبنان كان يحتاج لسقوط نظام الأسد ليصبح اكثر قابلية للتطبيق، وسقوط نظام الأسد يحتاج الى التطلّع الى مبادىء حقوق الإنسان لتصبح سوريا آمنة ومستقرّة وتوفّر الحريّة لشعبها.

سقط نظام الأسد في سوريا لكنّه لم يسقط بعد في لبنان. لا أقصد ان حلفاءه في لبنان لا يزالون فاعلين. فنظام الأسد ليس فقط تنظيمات وزعامات، بل ثقافة سياسيّة تجذّرت في لبنان بعد 30 سنة من الوصاية التي كانت تشبه الإحتلال.

هذه عيّنة صغيرة من ثقافة نظام الأسد: الإنقلاب العسكري والسلاح هما الطريق الى الحكم السياسي؛ الإغتيال السياسي كقاعدة للتعامل مع الخصوم؛ السجن لكل مواطن – رجل أو إمرأة أو طفل – مشكوك بولائه المطلق للنظام؛ الحكم من خلال العائلة أو الفئة المذهبيّة بموازاة الترويج لمقولات الوحدة الوطنيّة واللاطائفيّة؛ إستخدام المؤسسات الدستورية لشرعنة التسلط الامني؛ رفع شعار القوميّة العربيّة والتحالف مع الفرس ضد العرب والهيمنة على الجار العربي الصغير (لبنان) والإنضمام الى أميركا لإسقاط النظام العربي الأقوى (العراق)؛ وتفتيت الفصائل الفلسطينيّة ومحاربة بعضها ووضع أفرادها في السجن؛ المناداة بالتحرر الوطني والسكوت عن إحتلال الجولان وكمّ الأفواه تحت شعار “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”؛ إستخدام القضاء لمعاقبة الخصوم والإعتماد على التعذيب في التحقيقات وفي السجون بسادية مطلقة؛ إدّعاء تطبيق العلمنة والمقايضة مع رجال الدين بترك الشعب فريسة لتعاليمهم؛ رفع لواء الإشتراكيّة وبناء رأسماليّة الدولة على قاعدة الإحتكارات العائلية والمذهبيّة والزبائنيّة في ظل عمليّة إفقار واسعة؛ استتباع تام للنقابات ولهيئات المجتمع المدني؛ إحتقار الكائن البشري ومناداته بالـــ “تعا ولاه” كما تعوّدنا ان نسمع في لبنان، وغيرها وغيرها من الممارسات المشينة بحقوق الإنسان.

مجتمعنا اللبناني لم يخلُ من بعض هذه الممارسات، لكنّه ورث معظمها من نظام الأسد ابان هيمنته على مفاصل الحياة في لبنان. وإذا تفحّصنا جيّدًا الأمثلة الواردة في العينة التي عرضناها أعلاه، لا بدّ من أن نجد كم باتت ثقافة نظام الاسد جزءًا من ثقافتنا السياسيّة. بهذا المعنى نقول ان نظام الأسد لم يسقط بعد في لبنان وهو على الأرجح لم يسقط كلّيًا بعد في سوريا.

سقوط نظام الأسد يفترض اجتثاث ثقافته من البلدين وإحلال ثقافة حقوق الإنسان مكانها، برعاية دولة ديمقراطية ومستقلة، تساعد على انخراط المكونات السياسية جميعها في اطارها. ودستورنا اللبناني يتبنى في مقدمته الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

دعونا نتذكر ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعلنا نعي أكثر اهمية احترامه في بلداننا: “لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم،
في حين أن تناسي حقوق الإنسان قد أدى إلى أعمال همجية أثارت غضب ضمير البشرية، وظهور عالم يتمتع فيه البشر بحرية الكلام والمعتقد والتحرر من الخوف والعوز قد أعلن أنه أعلى تطلعات من عامة الناس، ولما كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم…”

تفادياً لتلقي ردود الفعل المعتادة على طرح أهمية احترام “حقوق الانسان” في المنطقة العربية، استعيد ما جاء في مقالي في “النهار” السنة الماضية بنفس التاريخ بعنوان “حقوق الانسان الغربي ووجود الانسان العربي”. وجاء المقال ردا على النقمة العربية على “حقوق الانسان” نتيجة مواقف البلدان الغربية من الحرب على غزة: ” من المفترض ان تهدأ النقمة العربية على “حقوق الانسان”، اذا علمنا أن المصدر الفعلي لهذه الحقوق، هو شعوب الدول الغربية وليس حكوماتها، بل ان هذه الحقوق هي ما طرحته هذه الشعوب بوجه حكوماتها وانظمتها عندما كانت تنتهك هذه الحقوق عبر التاريخ. وها هم أحفاد هذه الشعوب يتظاهرون اليوم، بإسم حقوق الانسان، احتجاجا على المجازر الإسرائيلية، ويطالبون حكوماتهم بالعمل على وقفها. كما ان موقف الأمم المتحدة، رئيساً واعضاء، أصبح أكثر وضوحا وانتقاداً لإسرائيل، ويطالب بوقف فوري لإطلاق النار لأسباب “انسانية”، حفاظا على حياة وحقوق الفلسطينيين في غزة.

غير أن علاقة الرأي العام العربي بـ”حقوق الانسان” لا تعتمد فقط على موقف الغرب من القضية الفلسطينية، بل على مجموعة من الاعتبارات الخاصة بالمنطقة العربية، تجعل من هذه الحقوق بالاجمال، وللأسف، غير ذات شأن.

إن ممارسة “حقوق الانسان” تفترض حداً أدنى من الأمان والاستقرار ينعم به المواطن، فيما يواجه الانسان العربي خطراً وجودياً يطال حياته البيولوجية، في كل من فلسطين وسوريا واليمن والعراق وليبيا، والى حد ما في لبنان.

“الانسان العربي”، ليس مهددا فقط بوجوده الجسدي، بل هو يفتقد بعض عناصر “الوجود المعنوي”، بفعل عوامل مجتمعية ودينية وسياسية.

اجتماعياً، تفترض “حقوق الانسان”، اعترافاً بالإنسان كفرد، فيما هو يخضع ويكاد يذوب، في معظم البلدان العربية، في كيان الجماعة، العائلية أو العشائرية أو المذهبية أو الدينية.

دينياً، تفترض “حقوق الانسان”، انفصالا وتمييزا بين الحقوق الانسانية والحق الإلهي، الذي لا يزال يفرض مفاهيمه في المجتمعات العربية. فإلى جانب “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” هناك “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الاسلام”.
وهي الوثيقة التي تم تحضيرها بواسطة أعضاء منظمة التعاون الإسلامي وتم الإعلان عنها في القاهرة، في الخامس من أغسطس من العام 1990. ولقد كان الهدف المعلن من الوثيقة انشاء نظام حقوق الانسان وفقا لمبادئ الشريعة الإسلامية.

سياسياً، ارتبطت مسألة “حقوق الانسان” بحقوق ” الانسان المواطن”، والمواطنية لا تجد كامل مقوّمالها في ظل أنظمة عربية استبدادية، لا تعير اهتماما لحقوق المواطن، بصفته انسان مستقل عن الدولة، يشارك بحرية في قراراتها، في إطار نظام ديمقراطي. ولا عجب في هذه الحالة الا نشهد تحركات شعبية في البلدان العربية، احتجاجاً على الحرب في غزة، بأهمية التحركات الشعبية في البلدان الغربية، حيث المواطنية أصبحت مترسخة عبر الزمن.

هذه المعوّقات لـ”حقوق الإنسان” العربي، ليست فقط وليدة بنى مجتمعية وسياسية ودينية عربية، بل هي أيضا من مخلّفات العلاقات الرأسمالية- الاستعمارية العنيفة التي تربط البلدان الغربية بالبلدان العربية. ولا اعتقد بامكانية تحرير “حقوق الانسان” العربي، بمعزل عن الصراع مع المصالح الرأسمالية- الاستعمارية الغربية، لكن تحت راية “حقوق الانسان” وليس عن طريق معاداتها، تحت راية الأصولية الدينية، المعادية لحرية الانسان.”.

اخترنا لك