بقلم يوسف مرتضى
أطلقت عبارة “الشرق الأوسط الجديد”، للمرة الأولى في تل أبيب على لسان كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية السابقة في عهد الجمهوري جورج بوش الإبن، في شهر تموز عام ٢٠٠٦ إبان العدوان الإسرائيلي على لبنان، قي الوقت الذي كان يجري فيه التداول قبل ذلك بعبارة” الشرق الأوسط الكبير”.
الجنرال الأميركي المتقاعد بيترس كان قد خدم في عقد التسعينيات في أكاديمية العلوم العسكرية الأميركية، وكان قد أمضى السنوات الأخيرة من خدمته كمساعد لنائب رئيس فرع المخابرات العسكرية الأميركية. وهو يعتبر من أهم أركان وزارة الدفاع الأميركية، وصاحب أهم المؤلفات العسكرية والسياسات الإستراتيجية التي تنشر في الدوريات الأميركية الموجهة للخارج.
الشرق الأوسط الجديد، مادة للتدريس
وإذا كانت خريطة “الشرق الأوسط الجديد”، التي وضعها الجنرال رالف بيترس، لا تمثل وثيقة رسمية للبنتاغون، إلا أنها استخدمت كمادة للتدريس في برامج تعليم كبار الضباط في الكلية العسكرية التابعة لحلف الناتو.
خريطة الشرق الأوسط الجديد المرفقة بهذا المقال، كان الجنرال رالف بيترس قد نشرها في مجلة:Armed Forces Journal.
بعض المعلقين في الغرب على هذه الخريطة، اعتبروا أن الاحتلال الأميركي- البريطاني للعراق عام ٢٠٠٣ كان بمثابة الخطوة التمهيدية لتنفيذ مشروع تلك الخارطة، بدءاً من كردستان العراق، على طريق بلقنة الشرق الأوسط.
خريطة الشرق الأوسط الجديد بين داعم ومعارض
إذا كانت هذه الخريطة تلائم دعاة قيام إسرائيل الكبرى من اليمين الإسرائيلي المتطرف، فهي تتعارض مع مصالح الولايات المتحدة الأميركية في عهد الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة ترامب الطامحة إلى استقرار يفضي إلى ظروف تتيح أفضل فرص الإستثمار لتطوير الاقتصاد الأميركي.
وفي هذا المجال لا بد من الإشارة والتّذكير إلى أن الاستفتاء الذي أجراه مسعود البرازاني على انفصال إقليم كردستان عن العراق والذي حصل بتحريض وتشجيع من بعض الجهات الأميركية، تصدت له إدارة ترامب ومنعت العمل به سنة ٢٠١٧.
طوي صفحة سايكس -بيكو؟
إن العمل بخريطة الجنرال رالف بيترس وإن كان يستجيب لتطلعات المتطرفين الإسرائليين وبعض الداعمين لهم في دوائر الغرب أمثال الجنرال بيترس، فإن السير بإتجاه تنفيذ هذه الخريطة ينطوي على مخاطر تجعل منطقة الشرق الأوسط برمتها بركاناً متفجّراً، ولا أحد يضمن عدم انتشار حممه إلى العالم أجمع، ما يهدد السلم العالمي برمته. من هنا استبعد إعادة النظر بخرائط سايكس- بيكو كما يروج البعض، ولكن لا استبعد العمل بتحديث الأنظمة المركزية القائمة وتحويلها إلى أنظمة لامركزية أو فدرالية، خاصةً في ظل تعامي السلطات المركزية في البلدان المتعددة الأديان والأعراق عن حقوق الأقليات فيها.
انطلاقاً من هذا الاستنتاج، أرى أنه مفيد للقارئ توضيح الجانب الفلسفي والتاريخي لما استند إليه رالف بيترس في مراجعته لحدود الدول في المنطقة، حيث يعتقد:
بأنها لا تتطابق مع الأعراق والديانات، وبأن هذا التطابق هو الشرط الضروري توفّره للإستقرار. فأقدم من هذه الخلفية على رسم حدود جديدة للدول فيها، مقسمّا بعضها، باتراً أجزاء منها، وجامعاً نواحي متفرقة لإقامة دول قومية ودينية تنسجم مع ما استجمعه من رؤية للتاريخ.
وهنا لا بد من الإشارة أنه حين كتب پيترز مقاله عام ٢٠٠٦، كان العديد من أقرانه من الكتاب والمحللين وبعض السياسيين في الولايات المتحدة، على حداثة اطلاعهم على أحوال العراق نتيجة الحرب، يمعنون في التنظير حول انعدام العمق التاريخي لبلاد الرافدين كوطن موحد، ويتحدثون عن جدوى تقسيمها إلى ثلاث دول، سنية، وشيعية، وكردية، انطلاقا من تقييم اختزالي أكثر صلاحاً لتقديم حلول آنية في المدى القصير، منه إلى الموضوعية أو الاعتبار لما سيتركه ذلك على واقع المنطقة برمتها.
الحل : تفتيت الدول الكبرى!
الخلاصة في رؤية رالف بيترس هي أن الحلّ الأفضل للشرق الأوسط هو في تفتيت الدول الكبيرة وضم أجزاء منها إلى الدول الصغيرة، حسب الخريطتين المرفقتين (“قبل” و”بعد”) . فلبنان، الذي منحه بيترس سخاء الساحل السوري، يزداد تعددية ولا يقترب من التجانس المقرر، وكذلك اليمن وأفغانستان. كل ما تنتجه الخارطة الجديدة هنا هي أنها تعالج الاختلافات التي يدركها المؤلف لتنشئ دولاً وهمية لا تقل تعددية واختلافا داخليا عن تلك التي قرّر إلغاءها.
هذه الخارطة المرتجلة من وجهة نظري والتي جرى التعريف عنها على أنها “خارطة البنتاغون”، أو مشروع “سايكس ـ بيكو الجديد”، بل وانطلاقا من كلام صادر عن المؤرخ برنارد لويس، والذي عبّر عن وجهة نظر تتكرر في أوساط عدة أن الأكراد قد ظلموا حين حرموا من الدولة بعد الحرب العالمية الأولى. أصبحت هذه الخارطة منسوبة إلى برنارد لويس نفسه، إذ يضيف إليها بعض الشهرة، حيث أنه مؤرخ معروف في الأوساط العربية، كما يضاعف من الريبة بشأنها، انطلاقاً من خلفيته اليهودية، وهي التهمة التلقائية في العديد من الأوساط العربية.
ومع التسليم بأنه في الولايات المتحدة وغيرها في دول الغرب، بالفعل هناك العديد ممن لا يضمر الخير لدول المنطقة، سواء كان ذلك انطلاقا من قراءة تفترض صراع الحضارات كأساس للتاريخ، وتضع الغرب والشرق الأوسط في صفين حضاريين مختلفين، أم لجهة الأطماع الغربية الاقتصادية والجيوسياسية في المنطقة، وأين إسرائيل العظمى عندما نمحّص ملياً في حدود هذه الخارطة التي تلحظ أردن كبيراً ولبنان كبيراً، أما إسرائيل فإلى التقليص.
خاتمة
إن أهمية خارطة پيترز هي أنها دليل حسي، أي هي موجودة بالفعل، ويمكن بالتالي استدعاؤها كقرينة من جانب من يفصّل “المؤامرة” التي تنسجها واشنطن. وفائدتها الأولية هي عند التلويح بها لتثبيت الشعور لدي المتابعين بأن المؤامرة حقيقة ثابتة، كيف لا ومن يقف خلفها هو برنارد لويس والبنتاغون نفسه.
وهي في الحقيقة ليست “خارطة برنارد لويس” ولا مشروع البنتاغون، وحسب العديد من الباحثين الأميركيين ، أن لا وزن سياسي لصاحبها، ولا قيمة ولا أهمية لها في رسم السياسات أو تنفيذها. ولكن إحذروا الشيطان.