بقلم د. ميشال الشماعي
من يعرف متى يعترف بهزيمته، ومن يقدر أن يعتذر عن أخطاء، حتّى لو لم يكن هو الذي ارتكبها، وحده الذي يعرف كيف ينتصر. أمّا الذي يرى النّصر مطبوعًا على جبينه دائمًا وأبدًا، فهذا لن يدرك النّصر إليه سبيلا.
وهذا ما عبّر عنه وفيق صفا الذي لم نعد نعرف ما هي طبيعة مهعامه في التركيبة الجديدة لمنظمة “الحزب”. هل هو بات النّاطق الإعلامي باسمها؟ أم لا زال مسؤول الأمن والارتباط فيها؟ أم هو بات النّاطق باسم كتلتها النّيابيّة؟ متعدّد المواهب الحاج وفيق، يبدأ من تهديد القضاة إلى هندسة الاعتداءات على الثوار، والغزوات على العاصمة في السابع من أيّار، لتسقطه إرادة الأهالي العزّل في عين الرّمانة، وكلمة الجيش اللبناني، المؤسّسة التي ما فتئ يضعفها هو وحزبه.
أمّا عن اختيار الحاج وفيق المكان الذي تمّ اغتيال أمين عام منظمة “الحزب” السابق ليلقي كلمته فيه، فما هو إلّا عمليّة ردّ اعتبار أو غسل يدين ممّا قد تكون يداه هو نفسه قد اقترفته بحقّ قائده. مَن يعلم؟ الأيّام القادمة كفيلة بإظهار ذلك!
أمّا نظريّة الفشل التي يحاول صفا إسقاطها على ما قام به العدوّ الإسرائيلي على مدى 66 يومًا فالميدان كفيل بإسقاط ادّعاءاته. فهذا ما اقترفته يداه، والغباء الاستراتيجي الذي يحاول إظهاره عملا بطوليًّا سيبقى كذلك حتّى يدحضه الميدان.
ليستكمل مواقفه الدونكيشوتيّة مؤكّدًا حضور منظّمته مع بيئتها الحاضنة. إذ ما ينفع حضوره في هذه البيئة بعدما قام بتدميرها بشرًا وحجرًا؟ وحديثه عن المعنويّات نتركه لأرض الواقع. للنّاس الطّيّبين الذين خسروا جنى أعمارهم وباتوا في منازل بلا سقوف. أو وسط جدران باردة، لن تستطيع أموال إيران المهرّبة عبر المطار المشبوه بفضل جهوده وجهود محوره أن تدفئها.
وما أروعه بشيطنة كلّ طرح يمكن أن يعيد إحياء الدّولة اللبنانيّة بما فيه الطرح اللامركزي المنصوص عليه في الدّستور لينفّذ هو وحزبه ما هو أبعد من اللامركزيّة الانمائيّة بكثير، حيث وصل تبجّحه إلى حدّ الكونفدراليّة، متجاوزًا حتّى الفدراليّة التي لطالما شيطنها هو ومحوره طوال هذه السنين. فيطمئن ناسه بإزالة ركام العدوان، وإعادة الأوضاع إلى طبيعتها في الضاحية وفي الجنوب وفي البقاع من حيث البناء والبنى التحتية ومن حيث عودتهم إلى مساكنهم آمنين مطمئنين. وهذا ما يؤكّد مرّة جديدة على أنّ الحاج وفيق لن يفيق بانّ الدّولة موجودة، وهذه مهامها وحدها.
لكنّ الحاج وفيق يفيق بأنّ الدّولة ستتصدّى للسلوك الذي تقم به بعض الأطراف والجهات، لناحية “التشبيح والزعرانات والصلبطة”. فهذا ليس بجديد لأنّ الدّولة دائمًا عندهم كانت Menu a la carte، يأخذون منها ما يناسب مصلحتهم، وعندما تتضارب الدّولة مع أيّ مصلحة ولو جزئيّة صغيرة منها فلا يتوانى الوفيق بأن يستفيق في قصر العدل مهدّدًا القضاة، ومطلقًا الفاشستنيّات الحسناوات.
أمّا في موضوع رئاسة الجمهوريّة والفيتو الصريح الذي أعلنه على رئيس حزب القوات اللبنانيّة الدّكتور سمير جعجع فما هو إلّا اعتراف ضمني بأنّ منظّمة “الحزب” ستكون النّاخب الممتاز في إيصال سمير جعجع إلى رئاسة الجمهوريّة، لأنّ ما ترفضه منظمة “الحزب” هو ما يريده معظم اللبنانيّين ومعهم المجتمع الدّولي ومعظم الدّول الاقليميّة.
ولو أنّ هذا الفيتو يحمل ضمنًا موافقة على انتخاب العماد جوزف عون لرئاسة الجمهوريّة، لكن المذمّة التي أطلقها على رئيس القوّات فما هي إلا شهادة من صفا بأنّ الرّجل، أي جعجع، هو رجل المرحلة القادمة. شاء من شاء وأبى من أبى.
وحديثه عن استعادة جهوزيّة منظمة “الحزب” لقدراتها العسكريّة والأمنيّة هو انقلاب للاتفاق الذي وقّعه باسمه الأخ الأكبر دولة الرئيس برّي. وما اعترافه بأنّه سيكون للرئيس بري حديث مع هوكستين حول الخروقات الإسرائيلية إلا محاولة للكشف عن أنّ الرئيس بريّ سيبلغ الموفد الأميركي بأنّ الحزب ماضٍ فيما بدأه في 8 تشرين الأوّل.
ذلك كلّه يعني عمليًّا أنّ الاتّفاق قد سقط ويُنتَظَر بأن يتمّ إلان موعد دفنه. وأنّ جلسة التاسع من كانون ستكون جلسة مستعصية الإنتاج الرئاسي. ورفض سمير جعجع من قبل صفا لن يؤمّن إيصال العماد عون إلى سدّة الرئاسة بل سيزيد هذا الملفّ تعقيدًا، وسيجعل من سمير جعجع المرشّح الجدّي الوحيد للرئاسة. وهذا ما سيحتّم في المرحلة القادمة البحث في كيفيّة صياغة ديباجة إيصال جعجع إلى بعبدا.
يبقى أنّه لا يمكن إغفال التطوّرات الدّوليّة المرتقبة ولاسيّما بعد دخول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض في العشرين من الشهر الجاري، وتطوّر الميدان اليمني، فضلًا عن تثبيت الدولة العراقيّة خارج المحور. أمام هذه التحديات كلّها يبدو أنّ وفيق لن يفيق. مع أنّ الشارع الذي حضنه قد استفاق وها هو يعلن تمرّده بشكل تصاعديّ وسيمشي حتمًا مع رياح التغيير. فهل ستسلم الجمهوريّة الاسلاميّة في إيران من رياح التغيير العاتية؟ أم أنّ عصا ترامب لن تنتظر التغيير السلمي والبارد؟