بقلم د. ميشال الشمّاعي
@DrMichelCHAMMAI
لم يعتد اللبنانيّون أن يكون للجمهوريّة قامة إلّا مرات قليلة في تاريخ المئة سنة من عمرها. ولعلّ أبرز ما ميّز مطلع هذا العهد الجديد هو استعادة هذه الهيبة التي تجلّت بعمليّة توافق مفروض بفعل القوّة: قوّة العلاقات الدّوليّة والاقليميّة.
هذه القوّة التي أظهرتها فلول محور الممانعة بأنّها إملاءات خارجيّة، وانتخاب السفارات للرئاسة، حتّى وصلت وقاحة بعضهم إلى اعتبار لبنان تحت الانتداب الأميركي. فيما الواقع مغاير تمامًا لهذه التوصيفات لأنّ محور الممانعة، أو ما كان يعرف بمحور الممانعة، نتيجة لممارساته الساقطة نجح وعن جدارة غير مسبوقة بإسقاط الدّولة. زد على ذلك، لم يكتفِ بعمليّة الاسقاط هذه بل ذهب إلى الاسناد الذي شكّل رصاصة الرّحمة في قلبه الفارسي.
فهذه الممارسات التي رعتها توأمة جيواستراتيجيّة بين السلاح والمافيا ثبّتت عقم هذا المحور في الحكم، لا بل أظهرت قدرته على توريد هذا العقم المؤسّساتي إلى دول الجوار، مطعّمًا بازدواجيّة في بنائيّة الدّولة بين السلاح الشرعي والسلاح غير الشرعي. محاولة منه بفرض أنموذج الجمهوريّة الاسلاميّة في إيران تحت ستار ما كان يعرف بمصطلح المقاومة.
وما زاد هذا الفكر ربحيّة دستوريّة في بعض مؤسسات الدّولة هو تلك الذراع المافياويّة الذمّيّة التي ناصبته الولاء على قاعدة الفساد يغطي السلاح والسلاح يحمي الفساد. حتّى انهار برج بابلهم على رؤوسهم جميعًا. وهذا ما حتّم تدخّلًا واضحًا للخارج في محاولة لإعادة فرض تثبيت ما تبقى من وجوديّة دستوريّة للهيكليّة البنائيّة للدّولة في العهد الجديد.
وممّا بدا واضحًا حتّى الساعة عزم فخامة الرئيس المنتخب العماد جوزيف عون على السير قدمًا وفقًا لإيقاعه الذي رسمه قبل وصوله إلى قصر بعبدا. هذا الإيقاع الذي لم تستوعبه فلول الممانعة فحاولت الالتفاف على العهد في محاولة منها لتفخيخه من الدّال عبر إعادة تسمية دولة الرئيس ميقاتي لرئاسة الحكومة.
لكنّ الضغوط التي لا تزال مستمرّة ذهبت باتّجاه السفير السابق القاضي نوّاف سلام؛ في إيحاء واضح وصريح بأنّ كلّ شيء سيكون في هذا العهد جديدًا عملًا بالمبدأ الإنكليزي : Same tools same results.
لذلك بدا عازمًا فخامته على تجديد كلّ شيء. لكن الاشكاليّة التي تطرح نفسها تكمن في هذا المجلس الذي لا يضمن بغالبيّته قدرة تسيير عهد التغيير. فقد تصبح فلول الممانعة حجر العثرة الذي قد يعرقل حجر الرحى التي سيطحن بواسطتها هذا العهد مدمّري الجمهوريّة، ليستعيد الجمهوريّة القويّة ممّا تبقى من براثن لا زالت موجودة في بعض أظافره.
وفي هذا السياق تطرح إشكاليّة المادّة 65 من الدّستور التي تجيز في فقرتها الرابعة “حل مجلس النواب بطلب من رئیس الجمهوریة إذا امتنع مجلس النواب، لغیر أسباب قاهرة عن الاجتماع طوال عقد عادي أو طوال عقدین استثنائیین متوالیین لا تقلّ مدّة كل منهما عن الشهر، أو في حال ردّ الموازنة برمّتها بقصد شلّ ید الحكومة عن العمل. ولا تجوز ممارسة هذا الحق مرة ثانیة للأسباب نفسها التي دعت إلى حل المجلس في المرة الأولى.”
أمّا الفقرة الخامسة فتحدّد المواضیع الأساسیة التي تحتاج إلى موافقة ثلثي عدد أعضاء الحكومة المحدد في مرسوم تشكیلها. وتعتبر مواضیع أساسیة ما یأتي: تعدیل الدستور، إعلان حالة الطوارئ والغاؤها، الحرب والسلم، التعبئة العامة، الاتفاقات والمعاهدات الدولیة، الموازنة العامة للدولة، الخطط الإنمائیة الشاملة والطویلة المدى، تعیین موظفي الفئة الأولى وما یعادلها، إعادة النظر في التقسیم الإداري، حل مجلس النواب، قانون الانتخابات، قانون الجنسیة، قوانین الأحوال الشخصیة، إقالة الوزراء.
فإذا أراد العماد جوزيف عون لعهده أن يكون فاعلا من دون تعطيل يذكر قد يلجأ إلى تطبيق هذه المادّة بالتّعاون مع المعارضة السابقة التي من الممكن أن تعمد على تعطيل إقرار الموازنة مثلًا بهدف شلّ عمل الحكومة لتعطي بذلك الذريعة لفخامته بحلّ المجلس. وبالتّالي يكون هكذا قد نجح الرئيس جوزيف عون بانتزاع السلطة التشريعيّة من يد الرئيس برّي وبالتّالي تحرير آخر معقل من معاقل السلطات الدّستوريّة في الدّول اللبنانيّة من يد فلول محور الممانعة.
ليصار بعد ذلك إلى تقريب موعد الانتخابات النيابيّة من أيّار 2026 إلى تاريخه وبالتّالي يعاد إنتاج سلطة تشريعيّة تتماشى وسياسة العهد الجديد. وهكذا يستطيع أن يقوم العهد بواجبه الانقاذي الإصلاحي السيادي.
فهل تجرؤ المعارضة السابقة على السير أمام فخامة الرئيس باستكمال مشروع إسقاط حكم الدّويلة لإعادة بناء الدّولة؟ أم أنّ أطماع بعضهم وسوء تقدير بعضهم الآخر استراتيجيًّا سيكون العصا التي ستوضع في عجلة العهد الجديد؟