حكومة الذكاء الطبيعيّ و… الاصطناعيّ

بقلم عقل العويط

قالتْ لي إنّ فكرها مشغول. قلتُ بماذا؟ بالماكينة، قالتْ. وتقصد الآلة. فهي ستصبح أشطر (بمعنى المعرفة) من الفكر البشريّ، فمَن يمشّي الماكينة سيصبح أكثر معرفة من الشخص الذي يفكّر، والماكينة، تاليًا، ستستغني قريبًا عن المشغّل الذي يشغّلها، لتكتفي بذكائها الذي سيطوّر نفسه بنفسه، من خلال اكتساب معارف مفتوحة على اللّامتناهي من المعرفة.

السيّدة هذه، وهي ناشطة ثقافيّة، ومهتمّة باقتراح المشاريع والمساهمة في ترقية المؤسّسات وتأهيلها، لتكون قادرةً على مواكبة التطورّات الهائلة في ميدان الاختراع، كانت منهمّةً بمسألة الذكاء الاصطناعيّ الذي، في رأيها، سيحلّ محلّ الفكر. وسيضطرّ الإنسان إلى الاستقالة الفكريّة، ممّا سيضع المستقبل برمّته في كفّ عفريت هذا الذكاء المصطنع.

قلتُ إنّ الماكينة ستكون أشطر في مواضيع معيّنة وليست فيها كلّها. أجابت، قريبًا ستستولي الماكينة على المجالات والمواضيع كلّها، وسنضطرّ جميعنا إلى الوقوف حيارى أمام السؤال: الإنسان إلى أين، والماكينة تأخذنا إلى أين؟

قلتُ روِّقيها، يا سيّدتي. ما تخافي. إذ كيف ستكون الماكينة أشطر في مسألة المشاعر والأحاسيس؟ أو أيضًا، ولا سيّما… في مسألة اللّاوعي؟ فإذا كانت الماكينة تملك وعيًا معرفيًّا مخزّنًا في دماغها، فهل ستملك ما يمكّنها من الغوص في العقل الباطن، في النوم، في اللّاوعي، في السرائر، في اللّامدركات بالحسّ، و”تقنين” (قوننة) تلك المعرفة الغامضة، الفائقة الحرّيّة، والفائقة التهرّب من قوانين الذكاء ومعاييره الدماغيّة؟

وإذا كان الذكاء – الطبيعيّ – لا يزال حتّى اللحظة، على الرغم من كلّ الخلاصات التي توصّل إليها علم النفس والسريرة، يعجز عن كشف عوالم الباطن، إلّا بالتلمّس والتكهّن والاحتمال (أي بالبقبشة)، أسيكون في مقدور الذكاء – الاصطناعيّ – أنْ ينجز برنامجًا يخزّن عالم اللّاوعي اللامتناهي واللّامدرك واللّامحسوس، ويضعه في متناول المعنيّين والمنهمّين، فيصدر، تاليًا، “كتابًا” مرجعيًّا وعملانيًّا (دستورًا) في المسألة، و”يؤلّف الحكومة” التي تنطق باسم هذا اللّاوعي، ويسمّي عناصرها ومكوّناتها (أعضاءها)، ويدبّج بيانها الموضوعيّ (الوزاريّ)، ويطبّق خطة جمع السلاح غير الشرعيّ؟

بين هلالين: الفقرة السابقة من المقال، بعضها مخصّصٌ لـ”تقريص عجين” الذين “يتسلّون” بنا وبحياتنا، في شأن تأليف الحكومة العتيدة التي يُقال – على ذمّة خطاب القسم الرئاسيّ وتصريحات الرئيس المكلّف – إنّها ستشيل الزير من البير. وهي لن. وأنا شبه متأكّد في ذلك.

أجابت السيّدة أنّ ماكينة الذكاء الاصطناعيّ، قادرةً على تجميع اللّاوعي الجمعيّ، لينتج لاوعيًا مختصرًا. وضربتْ لي مثلًا أنّ ابن صديقتها كتب شعرًا لشقيقته لمناسبة عيد ميلادها، بعدما تعلّم ماذا يطلب من الماكينة لتلبّي طلبه فورًا، ممّا أبكى شقيقته وأمّه و… رامبو.

قلتُ لها إنّ رامبو بكى بالتأكيد، وأنا سأبكي معه، لكنْ من قهره وقهري، بسبب ما آل إليه “اصطناع” الشعر وتصنيعه، وتبخيس قدره. مثلما قد نبكي – والله أعلم – ممّا يخبئّه لنا الذكاء الطبيعيّ (مدعومًا بالاصطناعيّ) على مستوى الحكومة العتيدة.

اخترنا لك