فالتنتقل مهمّة الرئيس المكلّف من تأليف الحكومة الى الإستفتاء على الدستور

بقلم غسان صليبي

أتخيّل الرئيس المكلّف غارقًا بين الكتب، ومن بينها كتبه، وهو يفتّش عن حلول للمعضلات التي يواجهها في عمليّة تأليف الحكومة. لا بد انه تعوّد كأستاذ جامعي وكباحث إجتماعي وكقاضٍ ان يكون الكتاب مرجعه.

لكن على الأرجح انه إكتشف كدبلوماسي في أروقة الأمم المتّحدة، ان الكتب غير كافية لإيجاد أجوبة على المشكلات السياسيّة. فأجوبة الكتب تتعلّق بأسئلة محدّدة وتجارب معيّنة، وهي قد لا تتلاءم مع أسئلة جديدة وتجارب حديثة. لا سيّما انه في العلاقة بين الدول، يبدِّل عامل القوّة الطاغي، من النظرة الى الواقع والى دور القوانين والإتّفاقات الدوليّة، في حل النزاعات بينها.

مسألة تأليف الحكومة في لبنان لا تستحضر مبدئياً إشكاليات العلاقة بين الدول، لكن في ثناياها الكثير مما يشبه العلاقة بين الدول. ذلك ان التكتلات الطائفيّة تتعامل في بعض الأحيان مع بعضها البعض وكأنّها مجموعة دول متناحرة، كما ان وجود “دويلة” داخل الدولة يعقّد المسألة أكثر، حتى ولو أن هذه “الدويلة” بدأت تفقد بعض مرتكزاتها. بهذا المعنى لا بدّ للرئيس المكلّف ان يستفيد من تجربته الدبلوماسيّة بين الدول لمقاربة مشكلات متعلّقة بدولة واحدة هي لبنان، مع العلم ان الوضع في هذه الدولة مرتبط إرتباطًا وثيقًا بعلاقاتها بالدول المجاورة وهي الآن تحت ما يشبه الوصاية الدوليّة.

معظم المؤشرات الحالية تدل على ان الرئيس المكلّف في مأزق حرج، وأن كل الكتب التي تحيط به لا تساعده للأسف على الخروج من هذا المأزق. الإنتقادات بدأت تطاله من الأقربين كما من الابعدين، مما يضطّره للتصريح دوريًّا ان ما يجري تداوله في الاعلام غير صحيح وانه لا يزال متمسّكاً بالدستور.

أدعو الرئيس المكلّف الى الإستمرار بالتمسّك بالدستور، لكن في الوقت نفسه أدعوه للتصرّف كدبلوماسي يعالج نزاعًا بين دول، واقترح عليه المقاربة التالية:

أولاً: القول لجميع الأفرقاء ان إحتكار وزارة من قبل طائفة أو طرف سياسي هو مخالف للدستور، وانه هو كرئيس مكلّف لن يخالف الدستور. وقد دلّت التجربة ان تمسّك “الثنائي الشيعي” بوزارة المال، في مفاوضاته مع الرئيس المكلف، فتح شهيّة الأطراف الأخرى، وأدخلنا في متاهة من الصعب الخروج منها. كما ان استئثار “الثنائي الشيعي” بوزارة المال في السابق كانت له نتائج كارثية، ماليّة قضائيّة سياسيّة واجتماعية، وهذا ما هو مرشح للإستمرار، إذا بقي الوضع كما كان، مما يهدد بالصميم الآمال التي عُقدت على المرحلة الجديدة.

ثانيًا: القول بوضوح “للثنائي الشيعي” وللرأي العام، ان مقولة المحافظة على “الميثاقيّة” تطبيقًا لما نصّ عليه الدستور من ان “لا شرعيّة لأي سلطة تناقض العيش المشترك”، لا تصلح إلاّ في إطار احترام الدستور الذي ينص عليها، وليس عن طريق مخالفته، من خلال تخصيص وزارات لطرف أو لطائفة معيّنة.

ثالثًا: تأليف الحكومة بما يتّفق مع أحكام الدستور واتباع الإجراءات الدستوريّة لنيل الثقة.

رابعًا: في حال نيل الثقة ومقاطعة “الثنائي الشيعي” أو رفضه الاعتراف بالحكومة، إطلاق حوار بين الحكومة و “الثنائي” حول الدستور وليس حول الحكومة، ولمعرفة ما إذا كان “الثنائي الشيعي” لا يزال يعترف بالدستور. وليكن تأليف الحكومة مناسبة وطنيّة إمّا لتجديد إرادة العيش المشترك تحت سقف الدستور، وإمّا لإيجاد “صيغة ميثاقيّة جديدة”.

إذا كان رئيس الجمهوريّة والرئيس المكلّف ومعهم معظم اللبنانيين، يريدون إعادة بناء دولتهم وإقتصادهم وإجتماعهم في جوّ من السلام، وفي إطار الديمقراطيّة الدستوريّة، يجب علينا عدم تفويت الفرصة التاريخيّة والعودة الى الغرق في مستنقعات الماضي، التي لم تجلب لنا إلاّ المآسي والنكبات.

اخترنا لك