عن الفرق بين #شيعة علي بن أبي طالب.. و«شيعة» #علي_خامنئي !

بقلم ياسين شبلي

“كونوا لنا زينا ولا تكونوا علينا شينا، قولوا للناس حسنا، إحفظوا ألسنتكم وكفُّوها عن الفضول وقبيح القول” .

هذا القول للإمام جعفر الصادق، الإمام السادس للشيعة الإمامية الإثني عشرية، والتي تسمى الجعفرية نسبة له، لما له من فضل كبير بإنتشار مدرستها الفقهية، نتذكره بحسرة وألم، عند كل تصرف مشين، يصدر عمن يدَّعون نسبتهم إليه، وإلى مدرسة جده الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ضد إخوانهم في الوطن وجيرانهم في مناطقه، التي يسيئون إليها وإلى أهلها دون مبرِّر، تلك الإساءات التي وصفها الإمام علي باللؤم الأعظم، حين قال بأن “سوء الجوار والإساءة إلى الأبرار من أعظم اللؤم”.

هذه التصرفات والإساءات ضد المواطنين، لا يمكن لأي إنسان شيعي ملتزم بتعاليم مذهبه الدينية والأخلاقية، إلا أن يستنكرها لما لها من ضرر على المجتمع والوطن، والتلاحم الإنساني المفروض بين أبناء البلد الواحد، لذلك لا يمكن، ومن الظلم الكبير للمكوِّن الشيعي، أن يتحمل وزر هذه الأعمال، التي تضر به كما بغيره، وهي الناتجة عن خلاف سياسي سببه إختلاف هذه “البيئة” الحزبية – وليست الطائفية – عن مثيلاتها في الوطن، وحتى في الطائفة، بالنظرة إلى حاضر ومستقبل لبنان ونظامه ودوره في المنطقة، نتيجة إعتناقها لمذهب سياسي خارجي، يدخل في نطاق الصراع بين ما يسمى “التشيع الصفوي” ومرشده اليوم السيد علي الخامنئي، هذا “التشيع” الذي كان في أساس قيامه، محاولة الدمج ما بين الحس القومي الإيراني والمذهب الشيعي، بحيث يصبح المذهب في خدمة النظام ومطية له، في تنفيذ سياساته سواء في الداخل أو الخارج، وذلك عبر التركيز على نقاط الإثارة والإختلاف بين المسلمين، بهدف الفصل المذهبي، الذي أدى ويؤدي إلى فصل إجتماعي وثقافي، يتبعه تلقائياً فصل على الصعيدين القومي والسياسي، وذلك في مقابل “التشيع العلوي” بغالبيته العربية، الذي يلتزم ويدعو إلى مبادئ وأخلاق الإمام علي بن أبي طالب – عليه السلام – ” والإقتداء به وقبوله كأسوة حسنة” بحسب الدكتور علي شريعتي، الكاتب والمفكر الإيراني المعروف الذي أضاء على هذا الصراع في كتابه “التشيع العلوي والتشيع الصفوي”، الذي يحتوي على محاضرات عدة تضمنت أفكاره النهضوية، وهي الأفكار التي تم التعتيم عليها طوال حكم الملالي لإيران الذي بدأ عام 1979 ، تعتيم وصل حد إتهام المؤلف بالإنحراف والضلال، لمجرد كونه تخطى ما يعتبره المتشددون في الأوساط الحوزوية التقليدية خطوطاً حمر، لأنها سلطت الضوء على سر التوتر الدائم في العلاقات العربية – الإيرانية، برغم الأواصر المشتركة بين الأمتين، وهو الذي كان من الملهمين الأوائل للثورة الإسلامية في إيران، حيث ناضل وأعتقل ولجأ إلى لندن، حيث أغتيل هناك عام 1977 عن 44 عاماً.

التصرفات والإساءات ضد المواطنين، لا يمكن لأي إنسان شيعي ملتزم بتعاليم مذهبه الدينية والأخلاقية، إلا أن يستنكرها

هذا “التشيع الصفوي” الذي دخل المنطقة ولبنان منذ حوالي 40 عاماً، وربض على صدرها في الـ20 سنة الأخيرة، عبر عدة أذرع أنشأها مستغلاً الإضطرابات فيها، ومتعاوناً في ذلك مع أعدائها، خاصة بعد الغزو الأميركي للعراق في تقاطع مصالح لئيم وخطير، كان من أولى ضحاياه “التشيع العلوي” خاصة في لبنان والعراق، حيث كانت المعركة بين الجانبين غير متكافئة للأسف، ففي حين يعتمد “التشيع العلوي” أسلوب الفكر والفقه والموعظة الحسنة، في توعية الناس وتقوية روابطها بأوطانها، عبر التشديد على إندماج الشيعة في مجتمعاتهم، ورفض الإنجرار إلى مشاريع خاصة بهم، لجأ “التشيع الصفوي” إلى أساليب غير شرعية ولا شريفة في الصراع، كبث وتشجيع الأفكار الفتنوية من طائفية ومذهبية وسياسية، عبر اللعب على الغرائز، بالإضافة إلى ضخ الإمكانيات المادية الضخمة، وإستغلال القضايا الوطنية والقومية، عبر التسليح لكسب تعاطف الناس من جهة، واللجوء إلى عمليات القمع والإغتيال والإلغاء، لكل صوت شيعي حر، سواء عبر التخوين أو التكفير من جهة أخرى.

“الإنتصار” من وجهة نظرهم، يعني بقاءهم هم، بغض النظر عما يصيب الوطن والناس من نكبات وكوارث

فكان من ضحايا هذا الفكر في لبنان في السنوات الأخيرة، الشاب هاشم السلمان الذي قُتل بدم بارد أمام السفارة الإيرانية في بيروت، وكذلك المفكر والكاتب لقمان سليم الذي نعيش هذه الأيام أجواء ذكرى غيابه الرابعة، وغيرهم الكثير الكثير من الشهداء الشباب المظلومين، الذي قتلوا “تضليلاً “، في مواجهات ومغامرات غير محسوبة، سواء في سوريا أو العراق أو اليمن أو حتى لبنان، كان آخرها النكبة التي ضربته وشيعته وشبابهم بدءاً بمجزرة “البيجرز”، وصولاً إلى الحرب التي أطاحت إنجاز التحرير، وأعادت الإحتلال ليضرب كما يشاء ويشتهي، عبر التوقيع على إتفاق وقف إطلاق نار، وضع لبنان والجنوب تحت رحمة العدو، وما ذلك إلا لمحاولة حفظ الرأس، فكانت التضحية بالأرض والناس في سبيل هذا الهدف، ليخرجوا بعدها ويعلنوا “إنتصارهم” إذ أن “الإنتصار” من وجهة نظرهم، يعني بقاءهم هم، بغض النظر عما يصيب الوطن والناس من نكبات وكوارث، وهذا ما يفسَّر نشوتهم، ليتلطوا بعدها وراء الناس التي زحفت صادقة ومحقة، في محاولة للوصول إلى أراضيها ليستثمروا فيها، تحت مسمى “مسيرات التحرير الشعبية”، فكانت النتيجة مجزرة راح ضحيتها 26 شهيداً ، كان يمكن أن تكون أكبر وأخطر، لولا حكمة ووطنية ومناقبية الجيش اللبناني، الذي جهدوا ويجهدون في محاولة لتصويره بصورة العاجز عن حماية الناس، وليحتفلوا بعدها بـ “إنتصارهم” هذا في ليل بيروت، عبر مسيرات دراجة متخلفة ومسيئة، تحت شعارات خبيثة يتلطون وراءها، لبث التفرقة والخوف والضغينة بين الناس، والتي يأتون اليوم ليستنكرونها بعد مرور أسبوع، وبعد أن أدَّت غرضها في توتير الأجواء وإشاعة جو الإحتقان، والإستثمار السياسي في البلد، الذي كان قد بدأ يحدوه الأمل، بأن التغيير آت عبر حكومة “غير شكل”، وذلك في إستنكار على طريقة “يكاد المريب أن يقول خذوني”.

لا يجب أن يقع البعض في لبنان في شباك هذا الفريق ،عبر تعميم ظاهرته وإلصاقها بالمكون الشيعي اللبناني العربي

إن هذه الممارسات وغيرها، التي إعتمدها هذا الفريق في لبنان منذ 20 عاماً، هي التي أوصلت البلد إلى حال الإنهيار والهزيمة التي يعانيها، وكذلك السياسات التي إتبعها في كل المجالات، هي عنوان للفشل الذريع، نقول ذلك إنطلاقاً من الواقع المعاش، وليس إنطلاقاً من خلاف سياسي أو عقائدي أو لمصلحة شخصية أو حزبية، لذلك نقولها بأعلى الصوت، بأن هذا الفريق وبغض النظر عن حجمه التمثيلي في مؤسسات الدولة، التي تخضع لقوانين غير عادلة ومحاصصات وممارسات سياسية غير سليمة، لا يمثِّل المكوِّن الشيعي اللبناني العربي، بأغلبيته المذهبية والإجتماعية، التي تختلف كل الإختلاف في حياتها اليومية ومعاملاتها عنه، والتي هي أقرب إلى حياة ومعاملات غالبية الشعب اللبناني وإهتماماته اليومية بكافة فئاته، لذلك لا يجب أن يقع البعض في لبنان في شباك هذا الفريق ،عبر تعميم ظاهرته وإلصاقها بالمكون الشيعي اللبناني العربي، الذي هو جزء من شيعة علي بن أبي طالب عبر العالم، وليس من شيعة السيد علي الخامنئي.

اخترنا لك