بقلم كوثر شيا
الجدل القائم حول الأسماء المطروحة في الحكومة المقبلة لا يجب أن يحجب القضية الأهم، هل هذه الحكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات الجذرية التي يحتاجها لبنان ؟ أم أنها ستكون مجرد واجهة جديدة لمنظومة قديمة تعيد إنتاج الفشل بأسلوب مختلف ؟
نواف سلام ليس وافدًا جديدًا إلى العمل القانوني والدبلوماسي، بل هو شخصية تمتلك رؤية إصلاحية تدرك أن نجاح أي خطة إنقاذية لا يعتمد على توزيع الحقائب الوزارية، بل على وضع إطار قانوني وإداري جديد يُعيد هيكلة الدولة وفق معايير الكفاءة والمحاسبة.
لذلك، فإن التحدي الحقيقي أمامه ليس فقط في اختيار الوزراء، بل في مدى قدرته على فرض نموذج جديد للحكم قائم على الإصلاح الفعلي، وليس مجرد إدارة للأزمات.
منذ لحظة تكليفه، وُضع نواف سلام في مواجهة حملات تستهدفه، ليس بسبب شخصه، بل بسبب مشروعه. ما يجري اليوم ليس مجرد خلاف على تشكيل الحكومة، بل هو صراع بين نهجين: نهج يريد التغيير والإصلاح، ونهج يسعى إلى الإبقاء على منظومة قائمة على الفساد والمحاصصة.
لكن السؤال الأهم يبقى : كيف يمكن للبنان الخروج من أزمته؟ الحل لا يكون فقط في تشكيل حكومة، بل في تغيير منهجية الحكم بالكامل. وهنا يأتي الدور الأساسي لإنشاء وزارة تخطيط مركزية تكون بمثابة عقل الدولة الاستراتيجي، تضمن استدامة القرارات بعيدًا عن الارتجال والفوضى، وتضع أسسًا واضحة لمسار التعافي الوطني.
وزارة التخطيط : حجر الأساس لإنقاذ لبنان
لبنان بحاجة إلى رؤية متكاملة، وليس مجرد قرارات متفرقة. الحكومات السابقة عملت كـ”فرق إطفاء” للأزمات، دون استراتيجية واضحة. الحل يكمن في إعادة هيكلة آلية صنع القرار من خلال وزارة تخطيط قوية ومؤهلة، تعمل على :
– وضع خطة إنقاذ وطني متكاملة : تربط بين الاقتصاد، التعليم، الصحة، الطاقة، والمواصلات، بدلًا من السياسات المجزأة.
– تحقيق الشفافية والحكومة : عبر ربط الوزارات ضمن برنامج رقابي يحدد الأولويات ويمنع الهدر.
– إعادة هيكلة القطاع العام : بدمج الإدارات المتضخمة، وتفعيل العمل الإلكتروني لتخفيف البيروقراطية.
– توجيه الاستثمارات إلى القطاعات المنتجة : مثل الزراعة، الصناعة، والتكنولوجيا، لضمان نمو مستدام بدلًا من اقتصاد الريع.
– ضمان استقلالية القضاء والإصلاحات المالية : بفصل الاقتصاد عن السياسة، ومنع التدخلات التي تعرقل الإصلاحات.
لبنان أمام مفترق طرق
إما دعم مشروع إعادة بناء مؤسسات الدولة وفق رؤية إصلاحية واضحة، أو الاستمرار في دوامة الأزمات التي لا نهاية لها. الحل لن يكون في تغيير الأسماء، بل في تغيير النهج، وإرساء قواعد جديدة للحكم تقوم على التخطيط الاستراتيجي، المحاسبة، والاستثمار في مستقبل الدولة بدلًا من الاستمرار في إدارة الانهيار.
إذا نجح نواف سلام في فرض هذا النهج، فسيكون ذلك نقطة تحول حقيقية في تاريخ لبنان. أما إذا تم إفشاله كما حدث مع غيره من الشخصيات الإصلاحية، فسيكون ذلك بمثابة حكم بالإعدام على أي أمل في الإنقاذ.
اليوم، المسؤولية لم تعد فقط على عاتق نواف سلام، بل على عاتق كل من يريد مستقبلًا مختلفًا لهذا الوطن.