خيانة الثورة : الفساد الممنهج وكيف حول الأجندات الخفية أحلام اللبنانيين إلى كابوس

بقلم كوثر شيا

لبنان، البلد الذي احتضن أحلام شعبه لعقود، تحول إلى ساحة لصراع قوى فاسدة تتنافس على نهب ما تبقى من ثرواته. حين اندلعت ثورة 17 تشرين الأول، خرج اللبنانيون يطلبون العدالة والكرامة، لكنهم وقعوا ضحية شبكة فساد معقدة، تلاعبت بمطالبهم لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية، تاركة وراءها اقتصادًا منهارًا وشعبًا غارقًا في اليأس.

البداية البريئة والأجندات الخبيثة

كنت هناك، في قلب الساحات، بين الشباب الذين خرجوا يحملون أحلام التغيير. رأيتهم يصرخون: الشعب يريد إسقاط النظام… لكنني رأيت أيضاً ظلالاً تتحرك خلفهم. مجموعات منظمة، توزع بطاقات ائتمانية على متظاهرين يائسين، تلح عليهم: اسحبوا أموال قبل أن تختفي… وبينما كان الشباب يفرغون حسابات، كانت عصابات الميليشيات تنتظر على الطرقات، تشتري الدولارات بسعر السوق السوداء، لتحويلها إلى خارج الحدود.

كيف حدث ذلك؟ كانت العملية بمنتهى البساطة

بطاقات ائتمانية أغرقت السوق لسحب الأموال من البنوك عبر ماكينات السحب الآلية قبل انهيار المصارف.

عمليات سحب مكثفة تنفذ تحت شعارات الثورة، بينما تحول الأموال إلى سوق السوداء عبر صرافين مرتبطين بالميليشيات.

الدولار يشترى من المصرف المركزي بسعر رسمي زائف، ويباع في السوق السوداء بعشرة أضعاف السعر، لتحقيق أرباح فاحشة على حساب جوع المواطن.

هكذا تحول الشباب إلى أداة في يد الميليشيات، يسحب من خلالهم الدولار من السوق، وترتفع أسعاره، بينما تسرق أحلام الناس تحت غطاء المقاومة الاقتصادية.

الفساد بوجهين: سياسي واقتصادي

ما كشفته الأيام كان أبشع من خيال: دمرت المصارف عمداً. فبينما كان الثوار يهتفون ضد الفساد، كانت خطط مدروسة تنفذ لتحقيق هدفين:

1. إفراغ المصارف من الدولار عبر سحب الودائع بذريعة إنقاذها، ثم تهريبها خارجاً.

2. خلق سوق سوداء تسيطر عليه الميليشيات، لتحويل لبنان إلى دولة اقتصادها موازٍ، تدار من خارج المؤسسات.

لم يكن الصرافون على الطرقات مجرد وسطاء، بل كانوا جزءاً من شبكة فساد تضم مصرفيين ومسؤولين. كل عملية سحب كانت تترجم إلى عمولات تدفع للميليشيات، وارتفاع جنوني في سعر الدولار، وانهيار مدوٍّ لليرة… بينما الشعب يحاصر بين مطرقة الفقر وسندان الدعاية الكاذبة.

وسائل التواصل الاجتماعي: أداة تشويه مأجورة… والثوار الهاربون!

اليوم، بعض من رفعوا شعارات عدة يعيشون في أمريكا باريس ودبي، يفتحون صفحات ثورية على فيسبوك وتويتر، يمولها سياسيون فاسدون. مهمتهم؟ تشويه كل من يجرؤ على فضحهم.

يهاجمون الناشطين الشرفاء بتهم جاهزة: عميل، منفذ أجندات خارجية!

يحولون نجاحات الثورة المحدودة مثل دخول بعض الناشطين إلى البرلمان كنواب التغيير إلى خطر يجب إسقاطه عبر نشر إشاعات عن خيانات وهمية.

يستخدمون لغة الثورة ذاتها محاربة الفساد لتبرير سرقة أموال الشعب!

المأساة أن بعض اللبنانيين ما زالوا يصدقونهم!

فبعد سنوات من الأكاذيب، بات المواطن البسيط عاجزاً عن تمييز الحقيقة من البروباغاندا. صفحات مسوقة باحتراف تبيع الوهم: نحن الثورة الحقيقية!، بينما ملاكها يجلسون في مقاهي إسطنبول الفاخرة، يعدّون حساباتهم البنكية.

كلنا إرادة… لكن أي إرادة هذه؟!

نعم، كنا جميعنا إرادة… لكن البعض حول الإرادة إلى سكين يذبح أحلامنا.

اليوم، الثورة الحقيقية ليست في الشعارات، بل في كسر جدار الصمت:

محاسبة كل من سرق، سواءً أكان وزيراً أم ثائراً هرب بأموال الناس.

استعادة الأموال المهربة من حسابات الميليشيات والقادة الثوريين الذين باعوا الضمير.

مقاطعة صفحات التواصل الاجتماعي المأجورة التي تسمم العقول، ورفع أصواتنا عالياً: كفى تلاعباً بدماء الشعب!

أما أولئك الذين يعيشون في الخارج، وينشرون الأكاذيب من خلف الشاشات، فليعلموا: الشعب لم يعد أعمى. فتحنا عيوننا على جراحنا، ورأينا كيف حولتم الثورة إلى سوق لبيع الأوهام.

في عصرنا الرقمي اليوم، هناك أفراد يستغلون الإنترنت لتحقيق مصالح شخصية، من خلال إنشاء شخصيات مزيفة ونشر معلومات مضللة. هؤلاء الأشخاص يمارسون ممارسات غير أخلاقية، حيث يقنعون الشباب غير المشتبه بهم بمشاركة تفاصيل شخصية أو تقديم معلومات زائفة مقابل المال. بينما يدّعون محاربة الفساد، إلا أنهم يساهمون فيه من خلال نشر الخداع واستخدام نفوذهم للتحكم في الروايات. يظهر التناقض واضحًا، حيث يعمل هؤلاء الأشخاص تحت ستار العدالة بينما يحققون الأرباح من الفوضى، تاركين وراءهم أثرًا من الفساد وعدم الثقة.

لمواجهة هذا الوضع، لا بد من اتخاذ عدة خطوات حاسمة. أولاً، يجب علينا رفع الوعي بين الناس، خاصة الشباب، حول خطورة المعلومات المضللة والتلاعب عبر وسائل التواصل الاجتماعي. توعية الناس بكيفية التمييز بين الحسابات المزيفة والسلوكيات الخادعة هو أمر ضروري لتفادي الوقوع في هذه الفخاخ. ثانيًا، يجب على الحكومات ومنصات التواصل الاجتماعي أن تتعاون لتطبيق قوانين أكثر صرامة، مع محاسبة من ينشرون الأكاذيب أو يستغلون الآخرين. من الضروري أيضًا تشجيع الشفافية في التعاملات عبر الإنترنت، بحيث يسهل كشف أولئك الذين يروجون للأخبار الكاذبة.

علاوة على ذلك، ينبغي تكثيف الإجراءات القانونية ضد الذين ينتهكون الخصوصية أو يمارسون الاحتيال لأغراض شخصية. وأخيرًا، يجب أن نعمل على بناء مجتمعات إلكترونية إيجابية، تروج للمعرفة والمحتوى البناء، بعيدًا عن تلك الأجواء السامة التي يعززها من يدّعون محاربة الفساد وهم في الحقيقة يغرقون البلد في المزيد من الفساد. أليس من العيب أن يكون هؤلاء الأشخاص هم من يتحكمون في مصيرنا؟ نحن بحاجة للتحرك سريعًا لننقذ أنفسنا من هذا التدهور الأخلاقي!

لبنان لن يموت… لكنه يحتاج إلى ثورة على الذات أولاً، ثورة على ثقافة الشطّار ثورة على كل من باع الوطن بكلمة… أو ببطاقة ائتمانية.

كلنا إرادة… لكن إرادة مَنْ؟

إذا كانت الإرادة تعني أن ينهب البعض أموال الشعب تحت غطاء الثورة، أو أن يبيع آخرون ضمائرهم مقابل منصب أو تمويل، فليعلنوا ذلك صراحة! أما إذا كانت الإرادة تعني أن نقف معاً لاستعادة الوطن، فليبدأ الحساب من الداخل فكلنا إرادة أكيد.

استعادة الأموال المهربة من الميليشيات والثوار الفاسدين.

محاسبة كل صرّاف أو مصرفي أو سياسي تورط في تهريب الدولار.

فضح صفحات التواصل الاجتماعي المأجورة التي تشوه الحقائق.

لبنان يستحق أكثر من أن يكون ساحةً لصراعات الغرباء. شعبه الجريح يستحق ثورةً حقيقية… تبدأ بالاعتراف بالجراح، وتنتهي بقتل الوحوش التي التهمت أحلامنا.

اخترنا لك