القنب الهندي في لبنان : من إرث تاريخي إلى فرصة اقتصادية مستدامة

جذور تاريخية راسخة

بقلم كوثر شيا – أخصائية في العلاج بالقنب الهندي

لطالما كان القنب الهندي جزءًا من تاريخ لبنان، حيث تُظهر النقوش الرومانية في بعلبك أدلة على استخدامه كعلاج للألم منذ أكثر من 2000 عام. وفي العصور الحديثة، أصبحت زراعته متجذرة في سهل البقاع، حيث وجد المزارعون اللبنانيون في هذه النبتة موردًا اقتصاديًا أساسيًا.

ولكن مع الضغوط الدولية، وخاصة من الولايات المتحدة، فرضت الحكومة اللبنانية حظرًا رسميًا عليه عام 1992، مما أدى إلى تقييد إمكانياته الاقتصادية والصناعية والطبية.

الفرق بين القنب الصناعي والقنب الهندي

غالبًا ما يتم الخلط بين القنب الصناعي والقنب الهندي، لكنهما مختلفان تمامًا من حيث التركيب الكيميائي والاستخدامات:

القنب الصناعي:
• يحتوي على نسبة ضئيلة جدًا من مادة THC (أقل من 0.3%)، ما يجعله غير مؤثر نفسيًا.
• يُستخدم في الصناعات البيئية مثل الأقمشة، البلاستيك الحيوي، الورق، ومواد البناء.
• لا يحتاج إلى تشريع خاص، ويمكن اعتباره محصولًا زراعيًا مثل القمح أو الذرة.

القنب الهندي:
• يحتوي على نسبة عالية من THC، المادة الفعالة التي تؤثر على الجهاز العصبي.
• يُستخدم في المجالات الطبية لعلاج الأمراض المزمنة مثل السرطان، التصلب اللويحي، والألم المزمن.
• يحتاج إلى تنظيم خاص ليتم استخدامه تحت إشراف طبي لضمان الجودة والتحكم في الجرعات.

بالتالي، يجب عدم فرض أي قيود على القنب الصناعي، في حين أن القنب الهندي الطبي يحتاج إلى تنظيم قانوني دقيق لضمان الاستخدام الآمن والفعال.

تشريعات دولية ونهج لبنان البطيء

في السنوات الأخيرة، شهد العالم تحولات كبيرة في تشريعات القنب الهندي، حيث قامت أكثر من 40 دولة بتشريعه لأغراض طبية وصناعية، وحققت أرباحًا بمليارات الدولارات.

أما في لبنان، فقد أُقرّ قانون عام 2020 يسمح بزراعة القنب الهندي الطبي والصناعي، إلا أن عدم تنفيذ المراسيم التطبيقية أدى إلى تعطيل المشروع بالكامل، مما أفقد لبنان فرصة اقتصادية تقدر بـ 5 مليارات دولار، وفق تقرير شركة ماكنزي.

تقرير ماكنزي : القنب كبديل اقتصادي قوي

عام 2018، قدمت ماكنزي تقريرًا للحكومة اللبنانية يشير إلى أن القنب الهندي قد يحقق عائدات سنوية تصل إلى 1.5 مليار دولار، وهو رقم يفوق قيمة القروض التي يطلبها لبنان من صندوق النقد الدولي.

وأوضح التقرير أن القنب الصناعي ينتج أرباحًا تصل إلى 1200 دولار للدونم، مقارنة بـ 400 دولار فقط لحشيشة الكيف التقليدية. هذه الأرقام تبرز أن القنب قد يكون “الذهب الأخضر” الذي يساعد في حل الأزمة الاقتصادية، ويوفر فرص عمل لآلاف المزارعين الذين تضرروا جراء انهيار الزراعات التقليدية.

الهيئة الناظمة: حجر الأساس لنجاح التشريع

يبقى العائق الأكبر أمام تفعيل قانون القنب في لبنان هو تشكيل الهيئة الناظمة، التي يُفترض أن تشرف على تطبيق التشريع بطريقة منظمة وعادلة، عبر:

تحديد المساحات المزروعة وضمان مطابقتها للمعايير الطبية والصناعية.

جذب الاستثمارات الأجنبية، لا سيما من الشركات الكندية والأمريكية المهتمة بالسوق اللبناني.

تدريب المزارعين على تقنيات زراعية متقدمة لتحسين جودة الإنتاج.

فرض ضرائب عادلة لمنع تهريب القنب إلى السوق السوداء وتحقيق إيرادات للخزينة.

لكن تعطيل تشكيل هذه الهيئة بسبب المحاصصة السياسية يؤخر الاستفادة من هذا المورد الاقتصادي المهم، مما يُبقي لبنان بعيدًا عن المنافسة في هذا القطاع المتنامي عالميًا.

القنب الصناعي: مورد اقتصادي مستدام

يُعدّ القنب الصناعي أحد أكثر الموارد استدامة، حيث يُستخدم في صناعات متعددة، منها:

السيارات: استخدمت شركة فورد في الأربعينيات ألياف القنب لصناعة هياكل سيارات أقوى من الفولاذ.

الورق البيئي: يُنتج الهكتار الواحد من القنب ما يعادل إنتاج 4 هكتارات من الأشجار، مع استهلاك أقل للمياه.

المنسوجات والمواد العازلة: تُستخدم ألياف القنب في صناعة الأقمشة القوية والمواد العازلة الصديقة للبيئة.

هذا التنوع في الاستخدامات يجعل القنب فرصة ذهبية للبنان، خاصة مع تراجع القطاعات الصناعية والزراعية التقليدية.

التحديات التي تواجه القطاع والحلول المقترحة

على الرغم من الفرص الهائلة، إلا أن زراعة القنب تواجه تحديات عديدة، منها:

العراقيل السياسية: تأخير تشكيل الهيئة الناظمة نتيجة التجاذبات الطائفية.

الوصمة الاجتماعية: الخلط بين القنب الصناعي وحشيشة الكيف ذات التأثير النفسي.

ضعف البنية التحتية: عدم توفر مصانع متخصصة لتحويل القنب إلى منتجات صناعية متطورة.

الحلول الممكنة:

الإسراع في تشكيل الهيئة الناظمة لبدء تنفيذ القانون واستعادة ثقة المستثمرين.

حملات توعية وطنية تشرح الفرق بين القنب الصناعي والقنب المخدر.

إقامة شراكات مع دول رائدة مثل كندا لنقل المعرفة والخبرات إلى السوق اللبناني.

فرصة لبنان للريادة في القطاع

لبنان اليوم أمام خيارين: إما أن يستمر في إضاعة الفرص نتيجة التعطيل السياسي، أو أن يتحرك بجدية لتنفيذ قانون القنب الهندي، ويفتح المجال أمام استثمارات ضخمة قادرة على تحسين الوضع الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة.

إذا تم تطبيق القانون بشكل صحيح، فإن القنب يمكن أن يكون أكثر من مجرد نبتة؛ بل أداة لتعزيز الاقتصاد اللبناني، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في قطاع طبي وصناعي متنامٍ عالميًا. المستقبل الأخضر بانتظار لبنان، فهل سيكون على قدر التحدي؟

اخترنا لك