تصاعد الجرائم الإلكترونية في لبنان : مسؤولية الدولة والمجتمع في ظل غياب الحماية الفعالة

بقلم كوثر شيا

في ظل الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعصف بلبنان، تزايدت الجرائم الإلكترونية بشكل غير مسبوق، مما جعل المواطنين والشركات عرضة للهجمات الرقمية دون حماية كافية من الدولة.

ومع انتشار الصفحات المسيئة، عمليات الاحتيال، والاختراقات، يبقى السؤال: من المسؤول عن مواجهة هذه التهديدات؟ وكيف يمكن للحكومة الجديدة التعامل مع هذا الملف بجدية؟

واقع الجرائم الإلكترونية في لبنان، فراغ قانوني وتشريعات غير كافية

رغم وجود القانون 81/2018 المتعلق بالمعاملات الإلكترونية وحماية البيانات، إلا أنه لا يغطي التهديدات الحديثة مثل هجمات الفدية (Ransomware) والتصيد الاحتيالي (Phishing)، كما أن آليات التنفيذ لا تزال ضعيفة.

الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني (2019) اقترحت إنشاء الهيئة الوطنية للأمن السيبراني والمعلومات (NCSIA)، لكن حتى اليوم لم يتم تفعيلها بسبب الأزمات السياسية.

ضعف إنفاذ القانون

المسؤول الرئيسي عن مكافحة الجرائم الإلكترونية هو مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية في قوى الأمن الداخلي، لكنه يعاني من نقص الموارد، مما يجعله يركز على قضايا مثل التشهير والقدح والذم أكثر من مواجهة الهجمات المعقدة مثل الاختراقات البنكية وسرقة البيانات.

وزارة الاقتصاد مسؤولة عن حماية البيانات الشخصية، لكنها تفتقر إلى الأدوات الفعالة لتنفيذ القانون، مما يجعل البيانات عرضة للاستغلال.

بنية تحتية رقمية ضعيفة

أظهرت دراسات عام 2021 أن هناك أكثر من 80 منصة حكومية غير مؤمنة تتعامل مع بيانات حساسة، مما يجعلها عرضة للاختراق.

نقص تدريب الموظفين الحكوميين والمواطنين حول الأمن الرقمي يزيد من مخاطر الهجمات الإلكترونية.

كيف يمكن للحكومة الجديدة معالجة هذا الملف؟

إنشاء هيئة وطنية للأمن السيبراني: يجب تفعيل الهيئة الوطنية للأمن السيبراني كجهة مستقلة تمتلك الموارد والصلاحيات لحماية البنية التحتية الرقمية في لبنان.

تعزيز التنسيق بين الوزارات: على الحكومة وضع خطة واضحة بين وزارة الداخلية، وزارة الاقتصاد، والمصارف لضمان تبادل المعلومات حول الجرائم الإلكترونية بسرعة وكفاءة.

تحديث القوانين: يجب تعديل التشريعات لتشمل الجرائم الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي الاحتيالي، الابتزاز الإلكتروني، وهجمات الفدية.

تعزيز الشراكات الدولية: الاستفادة من برامج مثل CyberSouth الممول من الاتحاد الأوروبي وتوسيع التعاون مع دول متقدمة في الأمن السيبراني مثل إستونيا.

إطلاق حملات توعية رقمية: لا يمكن مواجهة الجرائم الإلكترونية بدون رفع مستوى وعي المواطنين حول حماية بياناتهم الشخصية، استخدام المصادقة الثنائية (2FA)، وعدم التفاعل مع الصفحات المسيئة والمضللة.

ماذا عن الصفحات الوهمية المسيئة؟

مع انتشار الصفحات الإلكترونية التي تهاجم شخصيات عامة أو تنشر محتوى مسيئًا، يواجه اللبنانيون صعوبة في ملاحقتها، خاصة إذا كانت مدارة من خارج لبنان.

كيف يمكن مواجهتها؟

الإبلاغ عنها عبر خاصية “Report Abuse” على فيسبوك، إنستغرام، وتويتر، مع اختيار “المضايقات والتحرش” أو “الأخبار الكاذبة”.

التواصل مع مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية، رغم أن الإجراءات ضد الحسابات الخارجية تظل محدودة.

عدم التفاعل مع المحتوى المسيء حتى لا يزداد انتشاره عبر الخوارزميات.

استخدام إعدادات الخصوصية المشددة لحماية الحسابات الشخصية من الاختراق أو الاستغلال.

إن معالجة الجرائم الإلكترونية في لبنان تحتاج إلى إرادة سياسية، موارد كافية، وشراكات فعالة بين الدولة، القطاع الخاص، والمجتمع المدني. على الحكومة الجديدة عدم تأجيل هذا الملف، لأن الفضاء الإلكتروني أصبح اليوم ساحة معركة حقيقية يجب تأمينها لحماية المواطنين والمؤسسات.

اخترنا لك