بقلم سناء الجاك
الغضب الساطع الذي هبت رياحه على رئيس مجلس النواب نبيه بري فدفعته للخروج من الباب الخلفي للقصر الجمهوري، قد يفتح أبواب الخلاص للرئيس المكلف نواف سلام، ليتمكن بالتالي، من استرداد مسار تأليف حكومة تحمل الأمل بولادة عمل سياسي صحيح وصحي. ويتيح له التحرر من قيود مراعاته “الثنائي المهزوم”، ويسد ثغرة شجعت بقية المكونات السياسية على المطالبة بالمعاملة بالمثل.
ذلك أن محاولة سلام، ومعه رئيس الجمهورية جوزاف عون، تدوير الزوايا لم تنفع. ولم تنفع تنازلاتهما تجنباً لاتهامهما بإقصاء “الثنائي” وعدم احترام الميثاقية. فقد ازدادت الزوايا حدة، واستحالت خناجر مدببة حاضرة، كالعادة، لتمعن طعناً في جسد الدستور والقوانين.
فالتفهم لهواجس المهزومين، وأيضاً كالعادة، جدد الشهية للابتزاز والإخضاع المستمرة منذ صادر “حزب الله” سيادة لبنان لمصلحة رأس محوره البائد، ما يُذكر بالأداء الباسيلي الذي كان يحميه “الحزب” ويغدق عليه نِعَم السلطة والنفوذ، ويستخدمه لشلِّ عمليات التأليف للحكومات السابقة بغية إحكام قبضته على البلاد والعباد.
بالتالي، لم يكن خروجاً عن السياق ما فعله بري بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن شريكه. فالفعل هذا مكرسٌ منذ ما بعد اتفاق الطائف، حيث كان السائد ممارسة سياسة الضغط والابتزاز لتحقيق المكتسبات والمصالح الخاصة، ولا سبب يدفع المستفيدين لتغيير عادتهم ما دامت تؤتي ثمارها المنشودة.
لذا وبمجرد محاولة سلام “مراعاة” المطلب الأول المتعلق بوزارة المال، حتى اعتبر بري ومعه الشريك أن بالإمكان الاستمرار في “مطالب” هي في مضمونها أوامر وإملاءات، وصولاً إلى قمة الابتزاز والتعنت والخروج من الباب الخلفي.. و”شكلوا إذا استطعتم”.. مع ما يستدعيه هذا التصعيد الاستعراضي من تهديد مباشر بنسف عملية التأليف..
من هنا، ربما الأجدى تحويل المغادرة من الباب الخلفي لقصر بعبدا عودة ميمونة إلى الكتاب وخطاب القسم، وخطوة لتشكيل حكومة متجانسة قادرة على القيام بواجباتها كسلطة تنفيذية، فتمارس سلطتها من دون الحاجة إلى ترقيع الانتهاكات والمخالفات التي تفرضها “المراعاة”، ما يبقي لبنان في جحيمه سياسياً وأمنياً واقتصادياً.
والأهم أن عدم اتخاذ الخطوة الصحيحة وفي هذا التوقيت المناسب، سيفوِّت على لبنان الفرصة للاستفادة من المعطيات الدولية والإقليمية بشأن مساعدة الدولة على استعادة مسار سيطرتها، شرط تطبيق القرار 1701 وملحقاته، بالإضافة إلى المباشرة بعملية الإصلاح الإداري. وليس صحيحاً أن المطالبة باستبعاد الفاسدين ومنتهكي الدستور، هو مصادرة للسيادة، أو الخضوع للولايات المتحدة، مع التذكير بأن الخضوع جاء من جانب “الثنائي المهزوم” الذي رضي بالبنود السرية لاتفاق وقف إطلاق النار قبل أكثر من شهرين.
الصحيح أن السيادة تنعدم عندما يعتبر أي فريق أن باستطاعته إخضاع الرئيس المكلف لمطالب تمكنه من التعطيل، وإلا “على الحكومة السلام”.. حينها سيصبح “على الوطن السلام” وسيخرج لبنان من الباب الخلفي لفرصة الاستفادة من الظروف المناسبة لاحتمال انطلاق عملية الإنقاذ المرجوة.