البيان الوزاري الفرصة الأخيرة لاستعادة القرار اللبناني

بقلم مكرم رباح

انتهى مخاض تشكيل الحكومة اللبنانية برئاسة الدكتور نواف سلام بعد بضعة أسابيع من السجال والمحاصصة السياسية، ما بدّد آمال الكثيرين من الطامحين بالتغيير، وأصاب الآخرين، من الكسالى سياسياً، بخيبة أمل بعد أن اعتقدوا أنّ نواف سلام قادر، بزخم شعبي مفترض، على إحداث تغييرات جذرية تشبه مؤتمراً تأسيسياً يضع “حزب السلاح” وشريكه الدائم نبيه بري في حجمهما الطبيعي، ويحاسبهما – وليس الشيعة اللبنانيين – على مغامراتهما المستمرّة التي دمّرت لبنان وفكرته.

على الرغم من الآمال المنقوصة، يبقى التشكيل الحكومي بحدّ ذاته انتصاراً لفكرة التغيير وإنهاءً لحالة التعطيل التي ترسّخت بعد اتفاق الدوحة، حين كُرِّس سلاح “حزب اللّه” كعامل معطّل للصيغة اللبنانية التي أرساها اتفاق الطائف.

ومع ذلك، فإن هذه “الانتصارات” أو “الهزائم” لا تساوي شيئاً مقارنة بالتحدّي الأكبر الذي ستواجهه الحكومة في صياغة بيانها الوزاري، المتوقّع صدوره خلال الأسبوع المقبل، والذي سيحدّد توجّهاتها السياسية والاقتصادية، وعلى أساسه ستتقدّم لنيل الثقة في مجلس النواب.

تحوّل البيان الوزاري، عبر السنوات، من خطة عمل حكومية إلى وثيقة سياسية تخالف الدستور والقانون عبر فرض وقائع سياسية بقوّة السلاح والفساد، وعلى رأسها تكريس هيمنة “حزب اللّه” عبر بدعة “الجيش والشعب والمقاومة” التي أنزلت لعنة على لبنان وشعبه.

من حيث المبدأ والترتيب القانوني، لا يمكن للبيان الوزاري أو أي تصريح سياسي، مهما بلغت حدّته أو “هزّة الإصبع” المرافقة له، أن يغيّر الدستور اللبناني.

ولذلك، يجب أن يكون البيان الوزاريّ المتوقّع لحكومة نواف سلام خالياً من أي التباس أو بدع دستورية، وألّا يتضمّن أي عبارات رمادية تتيح لأي طرف التذرّع باستمرار وجود سلاح “حزب اللّه” تحت أي ذريعة، مثل “حق الشعب اللبناني في الدفاع عن نفسه” أو “التكامل بين المقاومة والجيش”، والتي قد يسعى نبيه بري وحلفاؤه إلى تمريرها.

اللبنانيون لا ينتظرون معجزة من حكومة نواف سلام، لكنهم يعوّلون عليها في النهوض الاقتصادي والسياسي، واستعادة الودائع، وإعادة إعمار ما دمّرته الحرب الأخيرة بين إسرائيل و “حزب اللّه”.

ومع ذلك، فإن تحقيق هذه الأهداف يبقى مستحيلاً من دون بيان وزاري واضح يعلن التزام الحكومة التام بنزع سلاح “حزب اللّه” بالكامل من جنوب، وشمال، وشرق، وغرب الليطاني، وتطبيق الاتفاق المبرم بين الدولة اللبنانية – ممثلة بنبيه بري المفوّض من “حزب اللّه” – والدولة الإسرائيلية، والذي تمّ بوساطة المبعوث الأميركي آموس هوكستين.

أثبتت الوقائع عكس هلوسات نعيم قاسم وغيره من منظّري “الحزب”، فقد تبيّن أن سلاح “حزب اللّه” ومنظومته القتالية المتخلّفة غير قادرين على حماية “الحزب” ولا بيئته الشيعية، إذا افترضنا أساساً أن “الحزب” وجد لمقاومة إسرائيل، وليس لاستغلالها لحماية شبكة إيران في تجارة المخدّرات، والتهريب، والاغتيالات، والطائرات المحمّلة بـ”الأموال النظيفة”.

في ظلّ هذا الواقع، لا يحقّ لرئيس الجمهورية جوزاف عون، ولا لرئيس الحكومة نواف سلام، ولا لأيّ عضو في حكومتهما – خاصة من يدّعون السيادة والإصلاح – أن يكونوا جزءاً من حكومة تسمح بدقّ المسمار الأخير في نعش الدولة اللبنانية، التي دخلت بالفعل في سبات طويل قد لا تخرج منه.

من الواضح أن المجتمع الدولي، لا سيّما الولايات المتحدة وفرنسا، يمنح نواف سلام فرصة حقيقية لتمرير حكومته، ولكن بشروط صارمة مرتبطة بالإصلاحات الاقتصادية والأمنية، خصوصاً ضبط المعابر غير الشرعية ووقف تهريب المخدّرات والسلاح.

باريس وواشنطن (لربما) تدعمان مبدئياً حكومة سلام، لكن أي تنازل في البيان الوزاري لصالح “حزب اللّه” قد يؤدي إلى سحب هذا الدعم ووقف أي مساعدات مالية أو استثمارات، خصوصاً من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

السعودية، التي تؤدّي دوراً محورياً في تشكيل الحكومة، تراقب عن كثب أداء سلام، وتنتظر أن يكون بيانه الوزاري خالياً من أي عبارات تُضفي شرعية على سلاح “حزب اللّه”.

المعركة اليوم ليست على أسماء الوزراء، بل على هويّة الدولة ومستقبلها، فإما حكومة تعيد سلطة الدولة وهيبتها وسيادتها، أو حكومة جديدة في سجل الحكومات الفاشلة، تتحوّل إلى شاهد زور على انهيار لبنان الكامل.

“الثلاثية الوحيدة” التي يجب أن تبقى قائمة هي سلطات الدولة الدستورية الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، لا ثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة”.

أي بيان وزاري يتجاهل هذه الحقائق، أو يحاول التذاكي على اللبنانيين، سيدفع لبنان إلى مرحلة موت سريري لا بعث منه.

اخترنا لك