بقلم خلود وتار قاسم
في خطوة تحمل دلالات سياسية ووطنية عميقة، اختار رئيس الحكومة نواف سلام أن تكون إطلالته التلفزيونية الأولى عبر تلفزيون لبنان، المؤسسة الإعلامية الرسمية للدولة. هذه الخطوة، رغم بساطتها الشكلية، تحمل رمزية كبيرة وتعكس نية واضحة لإعادة الاعتبار إلى مؤسسات الدولة التي تراجعت خلال العقود الماضية لصالح المؤسسات الإعلامية الحزبية والطائفية، التي أسهمت في تكريس الانقسام بين اللبنانيين.
عودة إلى المؤسسات الرسمية : هل نحن أمام مشروع بناء الدولة ؟
لأكثر من ثلاثة عقود، استُبدلت الدولة اللبنانية بدويلات صغيرة تخدم المصالح الطائفية والسياسية الضيقة. كل حزب أصبح يمتلك مؤسساته الخاصة، بما فيها وسائل إعلام تروج لرؤيته، مستبعدة أي خطاب وطني جامع. هذا التشرذم الإعلامي لم يكن مجرد نتيجة للانقسامات السياسية، بل كان جزءًا من مخطط محكم يهدف إلى ترسيخ الولاءات الفئوية وضمان استمرار الاصطفافات الطائفية، مما أدى إلى ضرب الهوية الوطنية الجامعة.
لذلك، فإن اختيار تلفزيون لبنان ليكون المنبر الأول الذي يخاطب من خلاله رئيس الحكومة الشعب اللبناني، يحمل في طياته رسالة واضحة: نحن أمام نهج جديد، يُعيد الاعتبار للمؤسسات الوطنية كركيزة أساسية لإعادة بناء الدولة.
بالتزامن مع هذه الإطلالة، تأتي تشكيل الحكومة الجديدة بطريقة غير مسبوقة، حيث تمكن نواف سلام من تمرير تركيبة حكومية لا تحتوي على “الثلث المعطل”، وهو ما يشير إلى بداية مرحلة سياسية جديدة قد تؤسس لمنهج حكم أكثر استقرارًا وأقل ارتهانًا لسياسات التعطيل والشلل المؤسساتي.
لكن هذه الخطوة، مهما كانت واعدة، تبقى جزءًا من معركة أكبر: معركة استعادة الدولة من قبضة الفساد والطائفية الحزبية لأن البناء لا يمكن أن ينجح دون القضاء على مراكز النفوذ التي اعتادت أن تعرقل أي مشروع وطني جامع.
رغم الأمل الذي تعطيه هذه الإشارات، فإن العقبة الأساسية أمام بناء الدولة تبقى التخلص من العدو الإس رائي لي الذي مازال يسرح ويمرح في جنوبنا الغالي ومحاسبته على جرائمه والمجازر والدمار واعتداءاته المستمرة منذ دون حسيب أو رقيب.
المسألة لم تعد مجرد استحقاقات حكومية أو إصلاحات شكلية، بل أصبحت معركة وجودية: إما أن تنتصر الدولة، أو يبقى لبنان رهينة دويلات الطوائف والمليشيات والفساد ورهينة اعتداءات العدو..
لا شك أن إطلالة نواف سلام عبر تلفزيون لبنان خطوة رمزية، لكنها تحمل في طياتها أملًا كبيرًا بأن قرار بناء الدولة قد اتُّخذ. ومع ذلك، فإن النجاح في هذا المسار لا يعتمد على النوايا فقط، بل يتطلب إرادة سياسية صلبة، ودعمًا شعبيًا وطنيًا، وخطوات عملية لكسر هيمنة القوى التي تعيق بناء الدولة.
المعركة طويلة، ولكن ربما تكون هذه الإشارة بداية لزمن جديد.
مع هذا الأمل