المعارضة الشيعية والطعنة المتوارثة

بقلم مروان الأمين

لا يختلف اثنان في البلاد على أنّ الرئيس نواف سلام نجح في تشكيل حكومة تُعدّ الأفضل منذ اتفاق الطائف. فقد جاءت هذه الحكومة بمواصفات استثنائيّة، سواء من حيث نوعيّة الوزراء الذين يتمتعون بخبرات اختصاصيّة رفيعة، ما فتح نافذة أمل للبنانيين وأعاد إلى الدولة بعضاً من احترامها المفقود أمامهم، أو على المستوى السياسي، بحيث شكّلت قطيعة مع إرث7 أيار واتفاق الدوحة، وأسقطت مفهوم الثلث المعطّل و”الوزير الملك”.

تأتي هذه الحكومة في سياق تحوّلات عميقة تعصف بالمنطقة، وضمن مشهد إقليمي ودولي يتقاطع، للمرة الأولى منذ اتفاق القاهرة عام 1969، مع المصلحة الوطنيّة اللبنانيّة، فاتحاً الباب أمام مرحلة جديدة من إعادة التوازن السياسي واستعادة القرار السيادي.

إنّ شبه الإجماع على أنّ هذه الحكومة أفضل من سابقاتها، لا يعفي رئيسها من النقد، بل يفرض التوقف عند بعض الإخفاقات التي رافقت مسار تشكيلها.

أول هذه الإخفاقات كان رضوخ الرئيس سلام منذ البداية لشرط الثنائي الشيعي الحصول على وزارة المال. وهو مطلب لطالما أثار جدلاً واسعاً حول تكريس هذه الوزارة لطائفة معيّنة، فضلاً عن الأداء السيّئ لهذا الطرف السياسي في هذه الوزارة، وإعطاء الثنائي نفوذاً كبيراً داخل الحكومة لما تتميّز به من صلاحيات واسعة. ثمّ التسليم باعتماد اسم الوزير ياسين جابر كخيار وحيد على رأس هذه الوزارة.

لقد أساء الرئيس سلام إدارة ملف وزارة الماليّة بحيث خرج منه مهزوماً أمام الرئيس بري، من دون أن ينجح في انتزاع أيّ مقابل لهذا التنازل.

إخفاق آخر يُسجَّل على الرئيس نواف سلام تمثَّل في خضوعه لشرط الثنائي استبعاد المعارضة الشيعيّة من التمثيل الحكومي، ما أعاد استحضار تجربة سياسيّة لطالما حملت دلالات سلبيّة في تعاطي الحلفاء مع هذه المعارضة.

إنّ حصر التمثيل الشيعي بالثنائي، ومن ضمنهم الوزير الخامس الذي ما كان ليتم توزيره إلّا بعد نيل موافقة الثنائي على اسمه، لم يكن مجرّد تفصيل في مشهد التشكيل، بل كان انتصاراً آخر للثنائي، لجهة فرض شروطه ومنع أيّ محاولة لكسر احتكاره للتمثيل السياسي للطائفة. في المقابل، شكّل هذا القرار ضربة معنويّة وسياسيّة للمعارضة الشيعيّة، التي وجدت نفسها مرة أخرى ضحيّة على مذبح التواطؤ الضمني بين الحلفاء والثنائي، بحيث ارتضى الرئيس سلام والقوى السياسيّة المعارضة (سابقاً) تأمين حصتهم الوزارية، مقابل التسليم بشروط الثنائي، غير آبهين بإقصاء المعارضة الشيعيّة.

يحاول الرئيس سلام تبرير تسليمه بشروط الثنائي عبر مقاربة عاطفيّة لـ “طائفة مجروحة يجب احتضانها”. لكنّ المهزوم الحقيقي في هذه المرحلة هو النفوذ الإيراني وليس الطائفة الشيعيّة، ورغم ذلك لا يعترف بأنّه مهزومٌ، ولا يزال يمارس سياسة الاستعلاء والفرض، ومستمراً في تحركاته الاستفزازيّة من الجنوب إلى شوارع بيروت.

إذا كان هناك من طرف يستحق الاحتضان فهو المواطن الشيعي الذي باتت تساوره شكوكٌ متزايدةٌ حول جدوى الاحتفاظ بالسلاح، خاصةً بعد تداعيات الحرب الأخيرة. لكن في المقابل، تثير ريبته محاولاتٌ مستمرةٌ لإقصاء المعارضة الشيعيّة وتهميشها، ما يضعه أمام معادلة قسريّة تدفعه إلى إعادة حساباته والتسليم بأنّ لا خيار أمامه سوى القبول بالثنائي كقدرٍ محتوم.

بهذا المعنى، لم يكن إبعاد المعارضة الشيعيّة مجرد تنازل تقني، بل خياراً سياسياً يطرح تساؤلات حول رغبة القوى المناهضة للثنائي في وجود بديل حقيقي، بدل الاكتفاء بتقاسم الحصص، وبمقاربات تكتيكيّة لا تمسّ جوهر المعادلة القائمة.

اخترنا لك