بقلم د. علي خليفة
وقعت النكبة. عارمة داهمة. واختلف المطبّبون على توصيفها. أهي نكبة الشيعة؟ أم نكبة اللبنانيين بـ “حزب اللّه” وخياراته التي أودت بلبنان وباللبنانيين، بمن فيهم الشيعة، إلى الخراب والتهجير والذلّة والمهانة؟ أجاب قاضي لاهاي عن السؤال بشكل محبط للغاية. وانضمّ إلى صفوف المطبّبين للطائفة الجريحة، معايناً جرحها، مندفعاً إلى تضميده بما شبّه له أنه العلاج الشافي.
وضع المعارضين الشيعة لـ “حزب اللّه” بموضع الملح من الجرح، في محطة من الخطاب يتخلّى فيه القاضي عن قاموسه الحقوقي ويتناسى فيه السياسي مقدّمات الدستور ومسوّغاته وكلّ ما درج عليه في مقامه ومكانته من علم واطّلاع.
كانت تنتظر الحياة السياسية اللبنانية من نواف سلام أكثر ممّا قدّمه لها لغاية الآن. حكومة من الأكفّاء، وهي كذلك. ولكن هل يُعقل أن تكون فئة السبعين عاماً ونيّفاً هي الحيلة الوحيدة لملء الحقائب والمواقع الوازنة؟
ألهذه الدرجة تصحّرت الموارد البشرية اللامعة في الفئات العمرية الشابة المقبلة بدم جديد ونفس جديد على المجال العام؟ حكومة كفريق عمل. فيها الحزبيون وغير الحزبيين من المحسوبين حصراً على المشروع الوطني اللبناني والدولة بوظائفها الحصرية في الدفاع والأمن والاقتصاد والمجتمع.
حكومة بوصفها سلطة إجرائية، لا طبخة متنوّعة المذاقات. وفي مسألة التمثيل الشيعي على وجه التحديد، أبقى نواف سلام على وزارة المالية من حصة الثنائي الشيعي الذي تدور حوله الشبهات في ما يخصّ التوسّع بالتدقيق المحاسبي ووجهة الصرف وآلياته والاستفادة من مقدرات الدولة خدمةً للمصالح والمنافع الخاصة، قبل شبهة الاستئثار بالتوقيع الثالث واستجرار لغم الميثاقية لاستخدامه غبّ الطلب في لعبة الغلبة السياسية.
بل أكثر من ذلك، سلّم سلام الممرّ الإلزامي للتوزير الشيعي إلى مظلّة الثنائي الشيعي وأخضعه لموافقته المسبقة. وفي الأفق تلوح التعيينات في المناصب الشاغرة في الوظيفة العامة. ويبدو أن ما تنازل عنه سلام لواقع ممارسة السلطة غداة تأليف الحكومة سيكون من الصعوبة بمكان الانفكاك عنه لاحقاً أو التملّص منه تحت أي ذريعة.
الآتي من لاهاي طفق يعمل بالأدوات نفسها في ظرف طارئ ومستجدّ لم يسبق له مثيل وكان ليتيح له ما لا يتيحه لغيره من هامش للمبادرة وللتغيير في قواعد اللعبة السائدة. لكأنه آتٍ إلى السراي ليدخل منه إلى نادي رؤساء الحكومات السابقين وهو سليل عائلة بيروتية عريقة تجرّع أبناؤها مع العزّ واليسر طموح الحكم والسلطة. يبقى أن الأمور بخواتيمها ولو كانت المكاتيب تقرأ عادة من عناوينها…