جدليّة البيان الوزاري

بقلم أنطونيو فرحات

يعطي بعض الأفرقاء السياسيين في لبنان حجماً ودوراً للبيان الوزاري ويحمّله تبعات أكثر مما يحتمل. مع العلم أن البيان لا يتعدى كونه وثيقة رسميّة تعرض فيها الحكومة الجديدة برنامجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتقدمه إلى مجلس النواب لنيل الثقة لا أكثر ولا أقل.

غير أن بعض الأفرقاء وعلى رأسهم “حزب الله” يسعى إلى إدراج كلمات ومفردات لها علاقة بالمقاومة بحيث يعتبر نفسه وعمله مشرعاً بتلك العبارات لا سيما على الصعيد العسكري بحيث يحلّ مكان أو يعتبر نفسه بأفضل الأحوال رديفاً للجيش وللقوى الأمنيّة خلافاً لمفهوم ومعنى والمفعول القانوني للبيان الوزاري.

يتبدّى مما سبق ذكره، أنه ولو ذكرت كلمة “مقاومة” في البيان الوزاري فهذا لا يعني أبداً كما أنه لا يفهم منها أنها تشير بشكل قاطع إلى “حزب الله” وإلاّ لكان ذكر ذلك بشكل واضح وصريح. أبعد من ذلك، لا يمكن أن تعتبر بأنها إشارة إليه أو اعتبارها تشريعاً لسلاحه.

فالمقاومة بالمطلق هي حقّ مشروع ومقدّس لكلّ الشعوب للدفاع عن أرضها من أي محتلّ، وبالتالي إذا تضمّن البيان الوزاري كلمة مقاومة فهي تعني “المقاومة الوطنيّة” وليست المذهبيّة أو الطائفيّة بحيث يغدو الشعب اللبناني كلّه وراء دولته وجيشه للدفاع عن أرضه وعرضه.

أما الأعمال العسكرية التي ينتهجها “حزب الله” فهي تعنيه وحده دون سائر مكونات الشعب اللبناني لا سيما أنها لا ترتبط بالمصلحة اللبنانيّة وإنما بالمصلحة الإيرانيّة كما هو ثابت وأكيد على لسان قادته ومرشدهم الإيراني.

أبعد من ذلك، إن البيان الوزاري هو ضرورة لنيل الحكومة الثقة من المجلس النيابي خلال مهلة ثلاثين يوماً من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها عملاً بأحكام المادة \64\ فقرة \2\ من الدستور وهذا هو بيت القصيد والهدف منه. مما يفيد أن الثقة تمنح للحكومة لتمارس عملها وسلطتها بصلاحياتها كاملةً، لأن قبل نيلها الثقة تمارس تلك الصلاحيات بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال حصراً.

أكثر استفاضة إن البيان الوزاري لا يتعدى كونه خطة أو تصوّراً أو برنامج عمل للحكومة وعلى أساسه يقرر المجلس النيابي إما أن يعطيها الثقة أو يحجبها عنها.

يستفاد مما تقدّم، أنه لو تم ذكر أي عناوين أو مفردات سياسيّة في البيان الوزاري لا يعني ذلك تشريعها أو قوننتها لأنها تبقى مجرّد تصوّر أو خطّة عمل لتلك الحكومة كما سبق بيانه.

ولتفادي أي أزمة سياسيّة في ظلّ عهد واعد، فإن الرجوع إلى وثيقة الوفاق الوطني اللبناني التي أقرّها اللقاء النيابي في مدينة الطائف بتاريخ 22\10\1989 والتي صدّقها مجلس النواب في جلسته في القليعات بتاريخ 5\11\1989 سيما الفقرة “ج” من الفصل الثالث منها التي نصّت على اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانيّة من الاحتلال الإسرائيلي وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها ونشر الجيش اللبناني في منطقة الحدود اللبنانيّة المعترف بها دولياً، هو الخيار الأنسب والحلّ الأفضل، دون الدخول في فذلكات المعجم اللغوي والتأويلات التي لا طائل ولا فائدة منها.

يتجلى مما سبق بيانه أن البيان الوزاري ليس مجرّد وثيقة شكليّة، إنما هو خارطة طريق للحكومة خلال فترة ولايتها بحيث يصبح البيان مرجعاً لمراقبة أدائها الذي على أساسه تتم محاسبتها من قبل المجلس النيابي الأمر الذي يؤكّد أن البيان المنوّه عنه آنفاً لا يمكن أن يكون مصدر تشريع أو اعتباره مرجعاً قانونياً، أو له الحجيّة القانونيّة المقضية لتسوية شوائب غير قانونيّة.

اخترنا لك