بقلم ميراز الجندي
فرضت ثورة 17 تشرين ثقافة التلاقي والانفتاح بين اللبنانيين، وأعادت العلم اللبناني إلى الساحات ليحلق عالياً بدلاً من الشعارات الطائفية والحزبية التي كانت تهيمن على المشهد. هذه الثورة لم تكن مجرد احتجاج ضد الأوضاع الاقتصادية والسياسية، بل كانت انتفاضة ضد تقسيم لبنان إلى “دويلات” طائفية تتنافس على النفوذ والمغانم.
الثورة فرضت لغة الوحدة الوطنية: “كلنا يعني كلنا، مسؤوليتنا جميعاً، لبنان أولاً”. ورفضت تماماً التجييش الطائفي والمذهبي الذي كان يقيد التقدم والتطور. هذا الخطاب الثوري التغييري أزال الأقنعة التي استخدمتها الأحزاب والطوائف لتدير لعبة الفساد، ليكتشف اللبنانيون مدى التلاعب بعواطفهم لأغراض انتخابية ضيقة.
وبالفعل، نجحت انتقادات الناشطين في الحد من استعراضات المواكب السوداء وعروض القوى السياسية التي تحاول استغلال الذكرى للمتاجرة بمشاعر الناس تحت ذريعة “التكريم” و”الوفاء”. لكن المسؤولية الآن تقع على عاتق الأجهزة الرسمية والبلدية لإزالة اليافطات والصور الحزبية ومنها صور لشخصيات غير لبنانية التي لا تعكس وحدة الشعب اللبناني، بل تغذي الانقسامات وتعزز ثقافة المحاصصة.
ورغم ما تم تحقيقه، إلا أن الواقع لا يزال قاسياً… الحشد المذهبي والتجييش الطائفي يظلان العنصر المسيطر على الثقافة السياسية لعدد كبير من اللبنانيين. البعض لا يزال يسأل بتعجب: “ماذا حققت الثورة؟” بينما الحقيقة واضحة: الثورة اللبنانية حققت بداية لتغيير جوهري، ولكنها بحاجة إلى مزيد من التغيير الجذري.
لبنان لا يمكن أن يخرج من دائرة العنف والفساد ما لم يتم تنفيذ القرارات الدولية مثل 1701+، ولا يمكن أن تتحقق سيادته إلا بنزع السلاح غير الشرعي، فبدونه لن نصل إلى مرحلة انتخابات حرة ونزيهة، ولن نستطيع محاسبة المافيات السياسية والمذهبية التي تسيطر على مقدرات هذا البلد.
إذا لم تتم محاسبة هؤلاء الفاسدين محاسبة حقيقية وليس إعطائهم فرصًا جديدة، وفرض سيادة الدولة، فإن لبنان سيظل محاصراً بين مزيد من التوترات والولاءات الخارجية، ولن تتحقق أي خطوة نحو بناء مؤسسات دولة حقيقية.
الأمر يحتاج إلى إرادة حقيقية من الداخل، مع الاستفادة القصوى من الزخم الخارجي لدعم لبنان نحو استقلاله الكامل.