“الطائفة جريحة” ولكن “حزب الله” منتصر

بقلم أمجد اسكندر

كلما حصلت تجاوزات على طريق المطار ارتفعت الأصوات بضرورة فتح مطار ثانٍ. وكلما تدنت جباية الكهرباء والضرائب في مناطق معينة اشتكى أهل المناطق الأخرى، وطالبوا بصرف ضرائبهم في مناطقهم. والأمثلة كثيرة، حيث التعدي يكشف أن «الدولة» منتهكة وتتقاذفها الأفعال وردود الأفعال.

على هذا المنوال، تتعاظم النقمة من دويلة «حزب الله»، وتأتي المطالبة ببسط سلطة الدولة كأنها مجرد رد فعل على هذا التعدي السافر. وهنا مكمن الخطر، إذ يُراد إصلاح الشاذ عن طريق التسويات التي لا تخلو من بقايا الواقع المشكو منه. وهذا الواقع له جذور ضاربة منذ أن نشأت دولة «لبنان الكبير». الجذور قائمة على مبدأ التسوية لا الرضى والاقتناع. إنها دولة قامت على «لا شرق ولا غرب»، ونفيان، كما قال جورج نقاش، لا يصنعان أمة.

كان «اتفاق الطائف» أول وثيقة وطنية مكتوبة يمكن البناء عليها لقيام دولة فعلية، فالميثاق الوطني في دولة ما قبل الطائف لم يكن مكتوباً بل استُقيَ من خطابات ومقالات. «اللامكتوب» انهار عام 1975، والمكتوب لم يطبق منذ 1990. «حزب الله» وحده اليوم يخرق «دستور الطائف»، ومن السذاجة الاعتقاد أن قيام «الدولة الجديدة» بعد المتغيرات الكبيرة التي حصلت، قادرة على جلب «حزب الله» إلى «بيت الطاعة»، طاعة الدستور المنبثق من «الطائف» حيث لا مكان للمنظمات المسلحة المرتبطة عضوياً بجمهورية إيران الإسلامية، الداعية إلى تصدير «الثورة الإسلامية».

لا شك أن «الدولة الجديدة» أبدت حزماً غير معتاد في الرد على شغب طريق المطار، ومهما عاند «حزب الله» وماطلت إسرائيل فـ «الدولة الجديدة» ستكون صاحبة القرار جنوب الليطاني، ولكن ماذا بعد؟ كيف سينصاع هذا «الحزب» لمنطق الدولة وتوجهاتها لبسط السلطة والحياد الإيجابي، وتالياً تخليه عن السلاح؟ اليوم هذه الدولة المدعومة من أغلب القوى السياسية، حققت بعض النقاط على حلبة المواجهة، لكنها في أولى الجولات قبل أن ترفع علامة الانتصار. طبيعة المنظمات الدينية العنفية، وكما علّمنا التاريخ، تذهب بها إلى الصدام الحتمي، وهي عصية بسبب عقيدتها الشمولية على منطق المراجعة أو الاستكانة، خصوصاً إذا استحضرت «الاستلهام الكربلائي»، حيث المعركة، كما حددها مرشدها الأعلى الخامنئي قبل أسابيع، بين جبهة «الحسينيين واليزيديين» التي لا نهاية لها تلوح في الأفق.

البيان الوزاري والتعيينات المرتقبة والإصلاحات وإعادة الإعمار، تفاصيل قد تتقدم خطوات ثم تتعثر، إذا بقي السلاح ولو في المخازن. في ضوء كل ما سبق فإن التسويات الوطنية التي بُنيَ عليها ماضياً وخدمت مفاعيلها لآجال قصيرة، تبدو اليوم صعبة المنال أو في أحسن الأحوال أقل صموداً من سابقاتها.

والتسوية التي يُبحث عنها اليوم تقوم على الملاءمة بين مراعاة «الطائفة الجريحة» وقيام «الدولة»، من دون الانتباه إلى تفصيل ليس بالبسيط، وهو أن «حزب الله» يتصرف، ولو كلامياً، بأنه حصد من «معركة إشغال العدو» مجموعة انتصارات فاقت نصر «حرب تموز»، وتالياً مصطلح «الطائفة الجريحة» لا يرد أبداً بين سطور بياناته، في حين يضمر مصطلح «الطائفة الجريحة» معنى الهزيمة والويل الذي لحق تحديداً بالشيعة في نَواحٍ عدة. فكيف يمكن التوفيق بين طرفين غير متفقين على طبيعة المشكلة المراد حلها؟

اخترنا لك