بقلم مكرم رباح
مرَّ لبنان خلال الأسبوع المنصرم بسلسلة خضّات أمنية، إثر قيام “حزب اللّه” بتحريك عناصر محسوبين عليه وعلى “حركة أمل” لقطع طريق مطار الشهيد رفيق الحريري الدولي وبعض شوارع بيروت ومناطق أخرى. جاء ذلك في إطار محاولة يائسة جديدة لفرض السلاح بمنطق انتحاري، عبر تصوير الأمر وكأنَّ منع الأموال الإيرانية عن شيعة لبنان هو العائق الوحيد الذي يؤخّر عودتهم إلى قراهم ومنازلهم المدمّرة في الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت.
بطبيعة الحال، خرج عدد من المعلّقين والمواطنين مطالبين الدولة بفتح مطار الشهيد رينيه معوض، أو ما يُعرف بمطار القليعات، إيماناً منهم بأنَّ فتح هذا المطار من شأنه أن يسحب هذه الورقة من يد “حزب اللّه”، ويفتح المجال أمام تشغيل مطار في منطقة يؤمن أهلها بالسيادة وحكم الدولة. غير أنَّ هذا الطرح، في واقع الأمر، يتّسم بنوع من الخمول السياسي، ويشبه من يدفع الغبار والأتربة تحت السجادة حين تنظيف البيت، متأملاً أن ينتج عن ذلك نتائج إيجابية.
فتح مطارات فرعية ومرافئ إضافية يجب أن يأتي في إطار مشاريع إنمائية لتنمية الأطراف، وهي مناطق لطالما حُرمت من رعاية الدولة وخدماتها. إلّا أنَّ فتحها تحت الظرف الحالي هو بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة على ما تبقّى من محاولات النهوض بلبنان.
السيادة، كجزء أساسي من مقوّمات الدولة، ترتبط بمظاهر القوة والهيبة (optics)، فلا يجوز لدولة أن تمتنع عن استقبال وزير خارجية أو رئيس دولة في مطار عاصمتها بيروت لأن عصابة مسلّحة تدَّعي تمثيل طائفة تمنع ذلك. ولعلَّ زيارة وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر للبنان، وهبوطه في مطار القليعات، كانا من الأسباب الأساسية التي دفعته لتكليف المجرم حافظ الأسد بإدارة لبنان؛ فالدولة التي تعجز عن تأمين باب منزلها، هي في الحقيقة دولة غير موجودة.
الأزمة تتجاوز “حزب اللّه” وسلاحه الإيراني، وتتجاوز تهريب الأموال من طهران أو عبر طرق ملتوية أخرى، لتطول مقاربة اللبنانيين أنفسهم لمشاكلهم الداخلية، وركائز بيتهم الوطني المتصدّع. فقد نجح “حزب اللّه” بدهائه السياسي في تصوير السيادة على أنها فعل إقصائي لشيعة لبنان، وطرحها كخطر وجودي عليهم، بمختلف أطيافهم، حتى لأولئك الذين يرفضون البدع الدينية الصفوية. لذلك، فإن اقتراح حلول غير ناضجة وكسولة، لتفادي الدخول في ورشة فكرية تعيد تصويب العقل الدستوري والميثاقي للدولة اللبنانية، لا يختلف كثيراً عن ممارسات “حزب الله” التشبيحية، وربما يكون أخطر منها على المدى البعيد.
مسوّدة البيان الوزاري لحكومة نواف سلام – مع الأسف – لا ترقى إلى مستوى الإيمان بقدرة سلام وأفراد حكومته، خصوصاً أنَّ أي بيان وزاري يوارب أو يتحاذق في إخفاء قذارة التحديات اللبنانية، من شأنه أن يبقي اللبنانيين أسرى مطارات تحمل أسماء شهداء (مطار الشهيد رفيق الحريري، ومطار الشهيد رينيه معوض)، قتلوا على أيدي أنظمة تؤمن بأنَّ التهريب عبر الحقائب، وقتل المثقفين والساسة، هو فعل مقاوم.
طريق المطار، وإغلاقه أو فتحه، سيبقى رمزاً للأزمات اللبنانية المتلاحقة، وفشل اللبنانيين في الوصول إلى نضج سياسي يُمكّنهمم من مواجهة الوحش – أو ربما الوحوش – التي تخطف الأوطان، كما خُطفت الطائرات يوماً ما.