المقاومة خارج المعادلة لا “حزب الله”

بقلم رفيق خوري

لا أحد يستطيع، وإن كان في الداخل والخارج وفي الطليعة أميركا من أراد وطلب، إخراج “حزب اللّه” من المعادلة في لبنان بما ومن يمثل. لكن رياح التحوّلات التي هبّت في المنطقة انطلاقاً من حرب غزة ولبنان وسقوط النظام السوري أوحت أن الساعة تدق لإخراج المقاومة من المعادلة.

وليس تهديد السلم الأهلي في الشوارع سوى إعلان بصوت عال تحت الرايات الصفر أن التمرجل في الداخل هو البديل من استكمال المواجهة مع العدو بعد الاتفاق الذي كبّل المقاومة إلى جانب خروجها من المعادلة في سوريا.

فالمقاومة الإسلامية ظهرت من خلال الشغب احتجاجاً على منع طائرة إيرانية من الهبوط في مطار بيروت، كأنها اسم مستعار للفصائل الأيديولوجية المذهبية المسلّحة المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني. لا بل تتصرف كأنها كيان مقابل لبنان وفي معزل عنه، وتكرّر في أدبياتها التركيز على تعابير “شعب المقاومة وبيئة المقاومة وناس المقاومة”، وهو نوع من تمييز المكوّن الشيعي من بقية المكونات في لبنان.

لكن اللعبة تبدو ثابتة على الرغم من المتغيّرات والتحوّلات في موازين القوى وموازين المصالح في لبنان والمنطقة في ظل العصا الأميركية وخصوصاً بعد عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. إسرائيل مصرّة، بدعم أميركي غير محدود، على تفكيك البنية التحتية العسكرية للمقاومة الإسلامية جنوب الليطاني ومنعها من التسلّح واستعادة القوة في كل لبنان. وهي تنظر إلى غزة ولبنان وسوريا والعراق واليمن، فتتصوّر أن الحقبة الإيرانية في أفول.

و “حزب اللّه” يؤكد أنه استعاد بعض قوته ويصرّ على إيجاد طرق للتسلّح بعد إغلاق الطريق السوري، وبالتالي يرى أن المقاومة الإسلامية لا تزال هي الحاضر والمستقبل على طريقة ما تقوله “حماس”: “نحن اليوم التالي”. ولا شيء يمنع إيران من الإيحاء أن الرأسمال العسكري والأيديولوجي والمالي الذي وظفته في غزة ولبنان والعراق واليمن لم يتبخر وإن “الوضع في سوريا لن يبقى على حاله”، ومن الوهم إنهاء الحقبة الإيرانية.

أما مجلس الوزراء الذي مهمته إنهاء أي وجود مسلح خارج الشرعية، وتطبيق ما أعلنه الرئيس جوزاف عون في خطاب القسم حول “احتكار الدولة حمل السلاح”، فإنه ليس قادراً على إكمال المهمة لأسباب تتعلق بالتوازنات في البلد.

ومن المألوف، وسط الرفض الإسرائيلي للانسحاب الكامل من لبنان، أن تتكرر السخرية لدى جماعة الممانعة من الرهانات الرسمية على الشرعية الدولية والضمانات الأميركية والمساعي الفرنسية والقول إنها كوميديا.

لكن الوقائع أكدت أن الرهان على المقاومة الإسلامية قاد إلى تراجيديا. فلا هي تمكنت من حماية لبنان، وإن ألحقت الأذى بإسرائيل. ولا هي حمت قادتها وكوادرها وبيئتها. فضلاً عن أن مشروع تحرير فلسطين من غزة ولبنان جعل الدمار واسعاً من دون قدرة على تحرير متر واحد من فلسطين، وكان في الأساس جزءاً من المشروع الإقليمي الإيراني الذي يرتبط بالغيب. وفضلاً أيضاً عن أننا في مشكلة أخطر من بقاء الاحتلال المرفوض لبنانياً في خمسة مواقع على التلال داخل الحدود الجنوبية.

إنها ممارسة إسرائيل، تحت مظلة أميركية، لحرية الحركة في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والعراق واليمن، والقيام بغارات جوية وتوغل ميداني لضرب أهداف تدعي أنها للمقاومة. وترجمة ذلك أن لبنان الذي شهد تغييراً في رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، وتبدلاً في الرأي العام لجهة الرهان على بناء الدولة، واستعدادات عربية ودولية لمساعدته لم يخرج بعد من الأزمة. العالم، في رأي فرنسيس فوكوياما، قسمان: “تاريخي” و “ما بعد تاريخي”. ولكن ماذا عن سياسات “ما قبل تاريخي”؟

اخترنا لك