“نعيم قاسم” ومصير الحزب تحت إمرة شريك صلاح عزالدين

بقلم بلال مهدي – خاص بوابة بيروت

يهم الكاتب أن يوضح لأسباب سيكولوجية أن هذا المقال غير مدفوع الأجر، وأنه يعبر عن وجهة نظره الشخصية تجاه الموضوع المطروح.


منذ لحظة الإعلان عن مقتل السيد حسن نصرالله والسيد هاشم صفي الدين، كان واضحًا أن “حزب الله” يسعى لتحويل الحدث إلى تظاهرة حاشدة تعيد تثبيت قبضته على شارعه الشيعي. إلا أن الواقع كان أكثر تعقيدًا مما خطط له الحزب، فقد تأخر تشييع الجثامين لخمسة أشهر، في خطوة غير مسبوقة، ما طرح العديد من التساؤلات حول الغاية الحقيقية من هذا التأخير.

استشهد السيد نصرالله في ٢٧ سبتمبر، والسيد صفي الدين في ٣ اكتوبر، لكن الحزب لم يقرر دفنهما إلا في ٢٣ فبراير، أي بعد ١٤٧ يومًا من مقتلهما. وخلال هذه الأشهر الطويلة، كان الحزب يعمل على تعبئة جمهوره واستغلال شبكاته الاجتماعية والاقتصادية لحث أكبر عدد ممكن من الموالين على المشاركة في الجنازة.

مصادر خاصة أكدت أن الحزب استغل شبكة المستفيدين من مساعداته، مهددًا بقطع الدعم عن أي شخص يتغيب عن الحضور، خصوصًا في ظل الحديث عن إمكانية تولي “حزب الله” ملف إعادة الإعمار، وهو ما لن يحدث، حيث أفادت مصادر دبلوماسية عربية بأن الإعمار سيكون عبر شركات أجنبية.

ورغم كل هذه المحاولات، لم ينجح الحزب في تحقيق المشهد الذي كان يطمح إليه. فالأرقام الحقيقية تعكس صورة مغايرة تمامًا لما رُوّج له عبر الإعلام الحزبي. فبينما حاولت بعض وسائل الإعلام التابعة للحزب الترويج لمشاركة مليونية، كشفت مصادر موثوقة، من بينها “الدولية للمعلومات” والقوى الأمنية، أن العدد الحقيقي للمشاركين لم يتجاوز ٢٠٠ ألف شخص كحد أقصى، أي ما يعادل ١٢ إلى ١٣٪ من الشيعة في لبنان. ومن بين هؤلاء، كان هناك ١٥ ألف أجنبي قدموا خصيصًا للمشاركة، بالإضافة إلى ١٠ آلاف شخص من المخيمات الفلسطينية، ما يوضح حجم الضغط والتجييش الذي مارسه الحزب.

طار المليار دولار

كل الجهود المبذولة خلال الأشهر الماضية لم تضف خلال التشييع إلى الحدث أي قيمة استثنائية، خصوصًا في ظل الكلمة التي ألقاها الأمين العام الجديد نعيم قاسم، وهو الرجل الذي اعتاد الشيعة على “كذبه” قبل أن يصبح في منصبه الحالي، فكيف لهم أن يصدقوه اليوم؟

قاسم، الذي اشتهر بعلاقاته التجارية وامتلاكه لمدارس ذات أقساط باهظة لا مكان فيها لمن “لا يدفع”، لم يكن يومًا نموذجًا للزهد الذي يدعيه الحزب. كما أنه نفسه الذي كان أحد المتورطين في فضيحة صلاح عز الدين، حين استثمر أمواله الخاصة مع شركاء نافذين في القيادة بالإضافة لأموال الحزب، في مشروع عزالدين المالي “المجهول”، وعندما ادعى عزالدين الإفلاس، قام قاسم وشركاؤه بسحب أموالهم بالقوة بينما تُرك آلاف المودعين من بيئة الحزب يعانون من خسائرهم.

وبحسب القرار الظني الصادر عن القضاء اللبناني عام 2009، بلغ عدد الأشخاص الذين أودعوا أموالهم لدى صلاح عز الدين عبر مسؤلي الحزب ما بين 350 و400 مودع، حيث تبيّن أن مجموع المبالغ التي تسلمها منهم في لبنان قُدّر بحوالي 350 مليون دولار أميركي. ولم يتطرّق الادعاء اللبناني إلى أي أموال أخرى قد تخصّ “حزب الله” أو غيره من الأطراف السياسية التي لا يُتوقع أن تكشف بشفافية عن أصول أموالها.

في المقابل، كشفت المحامية “الإسرائيلية” نيتسانا درشان لتنير، في أحد كتبها أن العدو الصهيوني استولى على مليار دولار من حسابات عز الدين، وهي المبالغ التي زعمت أنها تمثل حصة “حزب الله” في التجارة المشتركة التي كان عز الدين يديرها عبر مركزه في دبي.

الوداع الأخير

لم يكن المشهد في المدينة الرياضية سوى انعكاس لهذا التراجع في الحشد الشعبي. فبالرغم من أن سعت المدينة القصوى تبلغ ٦٥ ألف شخص، ومع إضافة ٢٠ ألف مقعد إضافي، بقيت ١٠ آلاف مقعد فارغة، فيما لم يتجاوز عدد المشاركين خارج الملعب ١٣٠ ألف شخص. هذه الأرقام تثبت أن الحزب لم يعد الممثل الأوحد للشيعة في لبنان، وأن أكثرية الشيعة الصامتين لم يعد بإمكانهم تحمل سياساته القمعية بعد الآن.

الأخطر من ذلك، ما جاء على لسان نعيم قاسم حين قال بالحرف الواحد، “وافقنا على طلب العدو”، وهو تصريح صادم يعكس حجم التنازلات التي اضطر الحزب إلى تقديمها، بينما لا يزال يحاول إقناع جمهوره بأنه يحقق “نصرًا أوليًا”، وكأن هدفه الحقيقي ليس سوى المزيد من التضحيات حتى القضاء على ما تبقى من الطائفة.

وفي ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة، لم يخجل الحزب من مطالبة الدولة بإعادة الإعمار، رغم أنه وشريكه في الثنائية الشيعية كانا السبب الرئيسي في إفلاس لبنان وسرقة مقدراته على مدى ٤٠ عامًا. وكأن قدر اللبنانيين أن يعيدوا بناء ما دمره الحزب، بينما قيادته تعيش في بحبوحة مالية لا تمسها الأزمات.

لكن…

يبقى السؤال الحقيقي، إلى أين يأخذنا هذا النفاق السياسي؟ إذا استمرت هذه السياسات، فإن السيناريو الأكثر ترجيحًا سيكون نزع ما تبقى من سلاح الحزب بموجب الفصل السابع، وعندها فقط، سيكتمل “الانتصار” حسب قواعد “نعيم الصحاف”.

اخترنا لك