بقلم نانسي اللقيس
في عالمٍ تهيمن عليه الرموز والأساطير، يظهر زعيمٌ عاش تحت الأرض ومات تحتها، ليغدو في نظر أتباعه أيقونةً تتجاوز حدود المنطق. لم يره أحد وجهاً لوجه، لكنهم آمنوا به كما يُؤمن بالعقائد.
وهنا يكمن جوهر القضية: الله لم يره أحد، لكن البشر عرفوه بالعقل والإيمان، أما هذا الزعيم، حسن نصرالله، فقد عُرف عبر الشاشات، فاحتل مكانة القداسة في قلوب أتباعه، حتى صار انتقادُه خطيئةً لا تُغتفر، وشتمُ الله أهون عندهم من المساس به.
تسري هذه القداسة في عروق بيئةٍ تشبّعت بالتعصّب على مدى أجيال، فباتت مستعدةً لمعاقبة أي معترض. والمخيف في هذه القدسية أنها لا تتوقف عند شخصٍ راحل، بل تمتد إلى منظومةٍ عسكريةٍ وأمنيةٍ متجذّرة. فحين يُسمح ببناء مقامٍ لهذا “القديس”، لا يُخلَّد شخصٌ فحسب، بل يُكرَّس نهجٌ بأكمله، يستمر في الهيمنة على العقول قبل الأرض، ويُبقي على بذور الصراع حيّة، تنتظر لحظة الانفجار.
لم تكن كلمات نعيم قاسم خلال مراسم التشييع سوى إعلانٍ صريح: “المقاومة مستمرة طالما الاحتلال مستمر.” نقطة على السطر. لا حاجة للتأويل، ولا مجال للأمل بانتهاء هذا الفصل.
فحتى بعد رحيل زعيمهم، سيظلّ نهجه راسخاً في بيئةٍ ترى في الاعتراض خيانةً، وفي الولاء المطلق فضيلةً. وليس من المبالغة القول إن هذا التعصب قد يُفرز في المستقبل جيلاً أشدّ تطرفاً، أشبه بطبعةٍ محليةٍ من داعش، لكنه أكثر دهاءً وتنظيماً.
إنّ من يظن أن سقوط الشخص يعني سقوط حزب الله واهمٌ. فالمعركة ليست مع فردٍ، بل مع هيكلٍ متينٍ من العقيدة والسلاح والسيطرة. والخلاص لا يكون بانتظار تبدّل الوجوه، بل بتفكيك هذه البنية الأمنية والعسكرية التي تُمسك برقاب الدولة.
وإلا، فإن الحروب القادمة لن تكون مع ميليشيا مسلّحة فحسب، بل مع بيئةٍ صُنعت على عين “قديسها” لتُحاسب من يشاء الله أن يغفر له، وتُدين كل من عصى.