صناعة الأدوية بين العلم والفساد : حقائق مخفية تُكشف اليوم

لقاءٌ ألهمني لفهم تعقيدات صناعة الأدوية

بقلم كوثر شيا

قبل خمسة عشر عامًا، وخلال زيارتي الأولى إلى لبنان بعد إقامتي الطويلة في الخارج، تعرّفت على ربيع الشاعر، مؤسس جمعية لمحاربة الفساد. دار حديثنا حول صناعة الأدوية، وكيفية تسويقها، سواء كانت جنيسة أو غير جنيسة، كما ناقشنا دور الحكومات وشركات التأمين في تعزيز شبكات الفساد التي تستغل هذا القطاع لتحقيق أرباح طائلة على حساب صحة الإنسان. اليوم، وبعد أن أصبح ربيع مستشارًا لرئيس الجمهورية، أتذكر ذلك اللقاء وأدرك أهمية الموضوع الذي ناقشناه.

عند دراسة الأدوية في المختبرات، غالبًا ما يتم التركيز على التركيبة الكيميائية والجرعة، لكن يغفل عامل حاسم وهو الهندسة الجزيئية ثلاثية الأبعاد، التي تحدد كيفية تفاعل الدواء مع الجسم. فحتى الأدوية ذات المكونات الكيميائية المتطابقة قد تفشل إذا اختلف شكلها الجزيئي، مما يؤدي إلى ضعف الامتصاص، وزيادة الجذور الحرة، وإرهاق الكبد، واحتمال تحفيز خلايا غير طبيعية. لحل هذه المشكلة، يجب دمج الفيزياء والكيمياء والرياضيات لفهم تفاعل الأدوية مع الجسم على المستوى الدقيق، مما يمكن أن يحسّن فعاليتها ويقلل من آثارها الجانبية.

الكبد هو مصنع طبيعي للإنزيمات التي تشبه في عملها أدوية خفض الكوليسترول أو مضادات التخثر، لكن الاعتماد المفرط على الأدوية يُثبّط هذه الوظيفة، مما يؤدي إلى تراكم السموم وإرهاق الجسم. ولتعزيز وظائف الكبد والغدد، يجب تحسين النظام الغذائي، وزيادة النشاط البدني، وتقليل التوتر، مما يقلل الحاجة إلى الأدوية المزمنة.

الستاتينات، التي تُستخدم لخفض الكوليسترول، مثال صارخ على مشكلة الاعتماد الدائم على الأدوية، حيث يؤدي تناولها المستمر إلى إضعاف قدرة الكبد على إنتاج الإنزيمات الطبيعية، مما يجعل المرضى مستهلكين دائمين لها. لذا، يجب تعزيز برامج التوعية الصحية التي تشجع على اتباع أنظمة غذائية صحية وممارسة الرياضة.

تقوم بعض شركات الأدوية بتغيير الشكل الجزيئي للأدوية الجنيسة مع الحفاظ على التركيبة الكيميائية نفسها، مما قد يضعف فعاليتها أو يسبب آثارًا جانبية غير متوقعة. لذلك، يجب تعزيز الشفافية والرقابة لضمان فعالية الأدوية وسلامتها.

فيما يخص تسعير الأدوية، تعمل بعض الشركات بالتعاون مع شركات التأمين لتحديد أسعار تُناسب القدرة الشرائية للمرضى، بينما يتم تجاهل الحلول الوقائية التي تعزز الصحة الطبيعية، مما يحوّل المرضى إلى سلع دائمة. لذا، يجب مراجعة سياسات التسعير لضمان وصول الأدوية بأسعار معقولة، وتعزيز البرامج الوقائية التي تقلل الحاجة إلى الأدوية المزمنة.

الفساد في قطاع الأدوية والاعتماد المفرط على الأدوية المزمنة يهددان صحة الإنسان ويجعلانها سلعة تجارية. وللتصدي لهذه المشكلة، يجب العمل على زيادة الوعي الفردي بأهمية الوقاية وتعزيز الوظائف الطبيعية للجسم، إلى جانب تعزيز الشفافية والرقابة في صناعة الأدوية.

مبروك لربيع الشاعر على منصبه الجديد كمستشار لرئيس الجمهورية، ونتمنى أن يكون صوتًا قويًا لدعم الشفافية ومحاربة الفساد في قطاع الصحة، وأن يعمل على تعزيز سياسات صحية عادلة تُعطي الأولوية لصحة المواطن بدلًا من الأرباح المالية.

هذه القضية ليست مسؤولية الحكومات وحدها، بل هي مسؤولية كل فرد في المجتمع. لذلك، يجب أن نعمل معًا لتعزيز الوعي الصحي، ودعم السياسات الشفافة، ومحاربة الفساد في كل قطاع يؤثر على صحتنا.

اخترنا لك