سيبقى المرقد ينادي

بقلم أمجد اسكندر

انتقل السيد حسن نصراللّه إلى مثواه الأخير، وفتح «حزب اللّه» فصلاً جديداً من تاريخه، فصلاً غارقاً في المآسي لمريديه ومخيفاً لبقيّة اللبنانيين. فالمرقد سيُراد له أن يبقى مفتوحاً على اليوميات، بحيث نغرق كلنا في متاهات الخوف والحذر من بعضنا البعض، وسنعيش كلنا في «ماضي الأيام الآتية» كما كتب مرة أنسي الحاج.

كأن التاريخ وجمهور هذا «الحزب» يركضان باتجاه بعضهما البعض وفي لحظة الموت اصطدما لتغلب نشوةٌ من الغيب كل الخسائر وكل الدمار. اليوم ليس يوماً آخر. مهما تقدّم الإصلاح والإنقاذ، وإن استمرّ لشهر، لسنة، لسنتين، فسيبقى المرقد ينادي. حتى لو زالت إسرائيل سيبقى المرقد ينادي.

هي معركة بدأت مع يزيد بن معاوية كما قال مرشد «الحزب» في طهران، وليس لها نهاية في المعاهدات والمؤتمرات واتفاقات وقف إطلاق النار. «إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم»، إلى أن تهتدي جمهورية ولاية الفقيه بحكمة هذه الآية الكريمة، كل المستطاع فسحات لالتقاط الأنفاس بين المراحل اللبنانية.

ليس «حزب اللّه» كغيره من الجماعات التي راجعت أو يمكنها أن تراجع تجاربها، إنها أمة «حزب اللّه» وغالبة. وغداً، ولو لاقت مصيرها المحتوم كجماعات من التاريخ الشيعي الموروث، كالقرامطة أو الحشاشين، ستبقى ترتسم على آخر مجاهد ابتسامة الرضى.

قد تستحق المزيد من الدراسات مسألة أن الشيعة الذين يبتعدون عن عقيدة «الاثني عشرية»، يذهبون بالفجيعة إلى حقول الاحتراق الكامل، تحت راية الاستشهاد. متى يصبح الاستشهاد احتمالاً لا مسعى دائماً؟ وماذا عنا نحن اللبنانيين الذين نجاور هذه الجماعة الملتهبة؟ كيف يمكن أن نتركها لشأنها؟ وكيف يمكن أن تتركنا لشأننا؟

حُذفت كلمة «مقاومة» من البيان الوزاري، لكنها كلمة لن تغيّر في واقع السلاح بشيء. الكلّ يعرف هذه الحقيقة، المبتهج بحذفها والساكت على الضيم. اندفاعة التفاؤل قد لا تدوم بالقدر الكافي. حرب 1975 انتهت باتفاق تاريخي اسمه «وثيقة الوفاق الوطني»، «حرب الإسناد» لا تقلّ فداحة، فإلى ماذا انتهت؟ إلى «وقف لإطلاق النار» وانتخاب رئيس جمهورية وحكومة.

يُراد الاعتقاد بأن البيان الوزاري كافٍ لمعالجة تداعيات زلزال اهتزّت بسببه البنية السياسية للدولة. على بعد أمتار من منازلنا، ثمة جماعة تعيش في تراث مشحون بمفاهيم مضادة لمنطق الدولة العصرية وتأبى أن تغادره، لا بل تجرّك إليه عنوة. لا شيء يحركها إلا الغيبيات وجروح المظالم التي لا تشفيها إلا «جمهورية إسلامية» على نمط الولي الفقيه.

لن نعود إلى الركب الحضاري إلّا إذا أقمنا قطيعة معرفية مع التراث والمرويات كما كان يقول المفكّر محمد شحرور. يجب أن يبقى التاريخ حاضراً بأحداثه وعِبَرِه، أما كيف كنا نفكر وكيف كنا نشكِّل السلطة فيجب أن نتجاوزه ويجب أن نبقى في حراك فكري دائم.

الحاصل اليوم هو العكس تماماً. وكل إنجاز للإصلاح والإنقاذ، كما تطمح الحكومة، سيكون تحت رحمة المرقد الذي أقيم بين طريقين إلى المطار. وغداً حادث تسبّبت فيه عناصر غير منضبطة قد يستدعي انعقاد مجلس الوزراء، لأن مؤتمراً وطنياً للبحث بجذور الأزمة لم ينعقد، خشية أن تطرح قضايا شائكة. كأننا لسنا في وضع شائك.

اخترنا لك