المسوخ يؤجّجون نار اللعنة في مسلخنا البشريّ

بقلم عقل العويط

كتبتُ السبت الفائت في “النهار” مقالًا عنوانه “النار كيف تشتعل؟”.

كان في الغالب الأعمّ أدبيًّا و”عاطفيًّا”، لكنْ ليس بالمعنى الرومنطيقيّ، وإنّما من باب تأويل العلاقات والمشاعر بين امرأةٍ ورجلٍ مجهولَين، ومغمورَين بطبقاتٍ كثيفةٍ من الغفليّة، تعبّر عنها تمامًا كلمة Anonymat في الفرنسيّة.

ظننتُ في المقال أنّ النار لا تشتعل من ذاتها، وبذاتها. بعض الظنّ لم يكن إثمًا، ولا خطأً، ولا خطيئة، بل كان محض تأويلٍ ماكر. وقد كتبتُهُ على سبيل الوله الذي لا شفاء منه، ولِمَ لا على سبيل فتحِ النافذة، وهلمّ.

لم يكن في المقال أيّ شيءٍ يُذكر عن مرض العالم، وخصوصًا على مستوى البراكين الحارقة التي تلسع أعطاب الكوكب الأرضيّ، وتؤجّج الشرّ في روحه وجثمانه، وتجعله برمّته أصغر من قريّةٍ كونيّةٍ صغيرة، هشيمها يأكل بعضه بعضًا، ويتناسل نيرانًا وحروبًا ومذابحَ ومقتلاتٍ لا تكاد تفسح لبلدٍ أو شخصٍ ما أنْ يتجنّب لهيبها الجهنّميّ.

أعود إلى عنوان المقال، “النار كيف تشتعل؟”، لأتأمّل من خلال ألسنة لهيبها، في أحوال النظام البشريّ المنكوب بفساد العقل، وأقول بما يشبه اليقين: هكذا، ولهذه الأسباب، تشتعل النيران في أرجاء الكوكب الأرعن.

لم يعد ثمّة حاجةٌ للسؤال، كيف، ولماذا، تشتعل نار الجنون والعظاميّة والهلوسة والصلف والاستبداد في عقول “آلهة” العالم وقادته وديكتاتوريّيه وجلّاديه ومصرفيّيه وصرّافيه ومقاوليه وقطّاع طرقه، من ترامب وبوتين ونتنياهو وشي جين بينغ وخامنئي (وفلول عواصمه الأربع)، مرورًا بمجنون كوريا، وبمرضى أوروبا، وحجار الشطرنج، والدمى، والأدوات، والمرتزقة، وصولًا إلى أصغر شلمسطي في الجهات الأربع!

القصّة معروفة منذ البداية.

لم تكن أسطورةً، ولا خرافةً، روايةُ الجريمة الأولى التي قتل فيها قايين (قابيل) شقيقه هابيل.

قابيل القاتل، هو الذي يحكم العالم منذ تلك اللحظة الأولى، وخصوصًا الآن، وإنْ تغيّرت وجوهه وأقنعته وأسماؤه.

ناره هي هي، نار اللعنة الأزليّة – الأبديّة التي نعاين تجلّياتها وصورها وفنونها وأشكالها وأساليبها وذرائعها المتجدّدة، وأبعادها الأبوكاليبتيّة، المتناسل بعضها من بعض، والمُلقِّح بعضها بعضًا، في حلقةٍ دائريّةٍ مفرغة، من فلسطين إلى لبنان وسوريا والعراق والسودان وليبيا واليمن والكونغو وأوكرانيا، وغدًا – مَن يدري – في بولندا ومولدوفا وليتوانيا ولاتفيا وإستونيا وتايوان وبنما وكندا وغرينلاند. وليس من خاتمة.

لو كان شكسبير بيننا، أو جورج أورويل، أكان الأول اكتفى بـ”هاملت” و”ماكبث” و”عطيل” و”تاجر البندقية” و”روميو وجولييت”، ليمسرح تراجيديا النيران التي تلتهم عالم اليوم؟

وجورج أورويل، أتراه كان اكتفى بـ”مزرعة الحيوان” و”1984″؟ علمًا أنّ “الأخ الأكبر” يتناسل في كلّ مقبرةٍ جماعيّةٍ، وموضعٍ ومكان.

المسألة واضحة عند شوبنهاور. العدم يلتهم العدم.

الموتى يرتجفون في قبورهم، لا فقط الموتى الأحياء العالقون هنا في هذا المأزق الكونيّ الرهيب.

فمَن يوقف جنون هؤلاء المسوخ الذين يؤجّجون نار المسلخ الكونيّ، وهم يؤدّون أدوار البطولة في هذه “الكوميديا الإلهيّة”، يا صديقي دانتي؟

اخترنا لك