كفى حروبًا، ولنجرب السلام : مسار لبناني نحو التفاوض العادل…

"السلام للشجعان"

بقلم ميراز الجندي – كاتب ومحلل سياسي

لطالما شهدت منطقة الشرق الأوسط توترات مستمرة وحروبًا عميقة الأثر، خلفت وراءها خرابًا اقتصاديًا وإنسانيًا، وضياعًا للأرواح.

في خضم هذه الأزمات المستمرة، أضحى السؤال الأكثر إلحاحًا: هل حان الوقت للسلام؟ وهل يمكن للبنان، البلد الذي عانى طوال عقود من ويلات الحرب والعدوان، أن يكون جزءًا من هذا التغيير؟ الإجابة هي: نعم، ولكن السلام المطلوب يجب أن يكون سلامًا عادلًا ومبنيًا على أسس من الحقوق المشروعة.

لبنان والتطبيع: لا للتطبيع المنقوص

بعض الأطراف تحاول ترويج فكرة التطبيع المنقوص مع دول الجوار، معتقدة أن ذلك سيحمل الأمل للبنان. إلا أن هذه الفكرة لا تتماشى مع الواقع اللبناني، ولا تراعي مصلحة الشعب اللبناني في استعادة استقراره وحقوقه. التطبيع الذي يتم الحديث عنه من البعض هو تطبيع ينقصه العدالة، ويقوم على شروط لا تنسجم مع طموحات الشعب اللبناني في السيادة والكرامة.

لكن لبنان، بما عانى من حروب ودمار على مر السنين، لا يحتاج إلى علاقات سطحية أو تطبيع مشوه. لبنان يحتاج إلى ما هو أبعد من ذلك: إلى مفاوضات حقيقية، من خلال سلام عادل يحترم حقوقه ويعترف بالأذى الذي تعرض له من جميع الأطراف طوال العقود الماضية. السلام الذي لا يشمل الاعتراف بحق لبنان في التعويض عن العدوان هو سلام فاقد للعدالة والمصداقية.

لبنان يجب أن يدخل مفاوضات سلام مبنية على حقوقه

ماذا يعني أن يكون لبنان جزءًا من مفاوضات سلام؟ يعني أن لبنان يجب أن يتمتع بحقوقه الكاملة في المفاوضات، وحقه في التعويض عن الحروب التي تعرض لها والعدوان الذي لحق به. تاريخ لبنان يعج بمراحل من الهجوم والدمار، من الاحتلال الإسرائيلي إلى الفتن الداخلية. واللبنانيون كانوا ضحايا لحروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، بل كانوا في قلب العاصفة، بينما كانت القوى الإقليمية والدولية تتصارع على أرضهم.

ما يريده اللبنانيون اليوم هو أن يعترف المجتمع الدولي بحجم المعاناة التي مرت بها البلاد. ولكن الأهم من ذلك هو ضمان أن يتمتع لبنان بحقه في تقرير مصيره بشكل كامل، بعيدًا عن التدخلات والهيمنة الخارجية.

السلام العادل: استقرار، أمان، وازدهار للبنان والمنطقة.

إذا أردنا السلام الحقيقي، يجب أن يكون سلامًا شاملاً. سلام يضمن للبنان استقراره وأمنه، ويعزز ازدهاره الاقتصادي، ويعيد بناء مؤسساته التي تعرضت للدمار. سلام يعترف بحق لبنان في فرض سيطرته الكاملة على أراضيه ومياهه وحدوده، دون تدخلات خارجية، سواء كانت إقليمية أو دولية.

لبنان لا يزال يقف على أعتاب مرحلة مفصلية في تاريخه. هو يحتاج إلى سلام حقيقي يحقق الأمن للبنان ولكل شعوب المنطقة. سلام لا يتم فرضه بالقوة، بل يتم التوصل إليه بالحوار والعدالة. إنه سلام يعيد للبنان دوره الريادي في المنطقة كدولة قائمة على القانون وحقوق الإنسان.

فهل من شجعان للولوج في السلام؟

الوقت حان ليتخذ لبنان خطوات جريئة نحو السلام، وليس من خلال حلول جزئية أو مؤقتة. الشعب اللبناني يعاني من أزمات اقتصادية، اجتماعية، وأمنية تتطلب حلولًا جذرية. وما من حل سوى السلام العادل الذي يعيد الحقوق لأصحابها، ويضمن للبنان مكانته في المنطقة كدولة ذات سيادة، بلا ميليشيات ولا تدخلات خارجية.

لبنان يحتاج اليوم إلى قائد حكيم يشجع على دخول المفاوضات مع جيرانه، بعيدًا عن التدخلات والتصفية السياسية. لا بد من الاستجابة لتطلعات الشعب اللبناني في السلام العادل، في هذا الزمن الذي شهدت فيه المنطقة العديد من النزاعات والصراعات. يجب أن يكون لبنان مستعدًا لاتخاذ هذه الخطوة الكبرى نحو تحقيق الأمن والازدهار الذي يحق لجميع شعبه.

إن الشعب اللبناني يستحق حياة هادئة، ومستقبلًا مزدهرًا، ومستقبلًا خاليًا من الحروب والنزاعات التي أنهكت أرضه وأعصابه لعقود. آن الأوان أن ننهض جميعًا، كمواطنين وقادة، للعمل على إرساء دعائم السلام العادل، وأن نتعاون جميعًا لبناء وطن يسوده الأمان والعدالة.

لبنان بحاجة إلى السلام الحقيقي، لا مجرد أمان زائف. وقد حان الوقت للولوج إلى المفاوضات التي تحقق استقرار لبنان وأمان شعبه، بل وأمان المنطقة بأسرها.

اخترنا لك