بقلم غسان صليبي
عندما طرح النائب حسن خليل مشروع قانون انتخابي من خارج القيد الطائفي وعلى أساس الدائرة الواحدة والنسبية، تساءل كثيرون وانا منهم، اذا كان بالإمكان إلغاء الطائفية السياسية عن طريق قوى طائفية تنتهج سياسات طائفية؟
وكان قد صدر، قبل يوم واحد من جلسة مناقشة قانون الانتخاب، بيان تأسيسي لجماعة “مسيحية” تعتبر نفسها “يمينية” وتطالب بالفدرالية وتطلق على نفسها اسم “المحافظون الجدد- لبنان”، تيمناً بالمحافظين الجدد في الولايات المتحدة الاميركية.
وبعد يوم من الجلسة، صدر ردٌ على هذا البيان التأسيسي، من “هيئة العلماء المسلمين” السنّة، اتهم المحافظين الجدد بالطائفيين والعنصريين، وهدد بالانضمام الى سوريا اذا قويت هذه النزعة “الانفصالية” عند المسيحيين. وهكذا شهدنا في ثلاثة أيام متتالية مبادرات مسيحية وشيعية وسنية تؤجج الحساسيات الطائفية. كل ذلك في جو طائفي ومذهبي في منطقة المشرق العربي، لا سيما بعد المجازر بحق العلويين في سوريا، تشارك في شحنه إسرائيل وقوى اقليمية أخرى.
مبادرة حسن خليل تكتسب بعداً خطيراً إضافياً، فطرح الدائرة الواحدة خارج القيد الطائفي يعني أن الرئيس بري لا يريدنا أن نخرج من الدائرة المفرغة التي ندور فيها منذ سنوات عديدة، ويصر على تكرار سياسات أغرقت وتغرق السياسة اللبنانية بالقضايا التي يعرف مسبقاً انها خلافية، والتي يعتقد ربما، انها قد تنسينا همّ نزع سلاح “حزب الله”.
وكأن الرئيس بري وفريقه يريدون ان يقنعونا بنصيحة “ابو نواس” الا وهي “داوني بالتي كانت هي الداء”، والتي ردّ بواسطتها الشاعر على الشخصَ الذي كان يلومه على شرب الخمر.
لكن الطائفية لا تشبه الخمر، فبالنسبة “لأبو نواس” الخمر ينسي الهموم ويداويها، اما الطائفية عندنا فهي ام الهموم، وعندما نداوي الطائفية بالطائفية لا ننساها بل نحفرها عميقاً في وجداننا ونشرب نخبها كل فترة، دماً وليس خمراً.
فإرحموا الشيعة اولاً والشعب اللبناني ثانياً، وسهّلوا مسار انطلاق عملية إعادة بناء الدولة، عن طريق إقرار قانون انتخابي يعترف بالحساسيات المذهبية والطائفية ويلطّف من تأثيرها بدل أن يؤججها، كما يفتح الباب أمام سلم أهلي لن يحميه الا دولة عادلة تحتكر حمل السلاح.