اتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا…

خطوة نحو الاستقرار أم اختبار جديد للسيادة ؟

بقلم ميراز الجندي – كاتب ومحلل سياسي

لقد كانت العلاقات بين لبنان وسورية مليئة بالتحديات والتقلبات، ولا تزال الحدود بين البلدين تمثل أحد أهم المواضيع الخلافية التي تؤثر على الاستقرار الإقليمي والسيادة الوطنية. وبعد توقيع اتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وسورية برعاية سعودية في مدينة جدة بين كل من وزيراي دفاع البلدين وبخضور وزير الدفاع السعودي، يظل السؤال الأهم، هل نحن على استعداد لتحمل المسؤولية الوطنية بشكل جاد، بعيدًا عن الشعارات والمزايدات؟

حقيقة الأمور دون مكياج

لطالما كانت هناك مجموعات لبنانية شريكة في زعزعة الاستقرار في سورية، وقد كان لبعض المحطات الإعلامية اللبنانية دور في تأجيج هذه الفوضى من خلال نشر السموم وتزوير الحقائق وبعضها مستمر. فالحقيقة دون مكياج أن بعض القوى كانت تروج لصورة مشوهة عن الوضع السوري، مما ساهم في إشعال الفتن وزيادة التوترات في المنطقة.

لكن مع توقيع اتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وسورية برعاية سعودية، يجب أن نكون واقعيين في مقاربتنا لهذا الموضوع. أولئك الذين يصرون على وصف النظام السوري الجديد بـ “الدواعش” و”جماعة أبو شملة” و”التهريب”، يجب أن يعلموا أن هذه التصورات لم تعد ذات جدوى في سياق التحولات التي تشهدها المنطقة. السياسة ليست شقاً واحداً، والأحداث تتطور بسرعة أكبر من تلك التحليلات التي لا تساير الواقع.

القرار الدولي 1680: تحدٍ جديد للبنان

من هنا، تبرز أهمية تنفيذ القرارات الدولية وعلى رأسها القرار 1680 الذي يدعو إلى ترسيم الحدود بين لبنان وسورية بطريقة تحترم سيادة البلدين، وتساهم في تعزيز الاستقرار الإقليمي. فهذا الاتفاق الذي يحقق المصلحة الوطنية للبنان يفتح أمامنا فرصة لإرساء قاعدة ثابتة من العلاقات الطيبة والمبنية على المصالح المشتركة.

إلا أن هذا الترسيم لا يمكن أن يقتصر على الجانب البري فقط. يجب على لبنان أن يكون مستعدًا لاستكمال عملية الترسيم عبر البحر والجو لضمان عدم وجود أي ثغرات أو مناطق غير محكومة. ومن هنا، تقع المسؤولية على القوى الأمنية والعسكرية اللبنانية لضمان تنفيذ هذا الاتفاق بالكامل دون استثناء، وتحقيق أمن الحدود بشكل شامل.

التحديات القادمة: السيادة والاستقرار

من غير المقبول أن تبقى الحدود اللبنانية عرضة للتهريب واخطرها الافراد أو للفوضى. إن السيادة اللبنانية تتطلب تحكمًا كاملاً في كل شبر من الأراضي، بما في ذلك المناطق الحدودية التي طالما كانت مصدرًا للتوترات. فالتنفيذ الفعلي للاتفاقات السياسية، والترسيم الدقيق للحدود، سيسهم في تحقيق الاستقرار الأمني والاقتصادي في لبنان.

إن هذه الخطوات لا تقتصر فقط على مجرد اتفاقات تقنية، بل هي بالأساس انعكاس لرؤية سياسية شاملة تتضمن الأمن الإقليمي، وعلاقات متوازنة مع جيراننا، بما في ذلك سورية. وبالتالي، إذا كانت المنطقة في حاجة إلى تسوية تاريخية طويلة الأمد، فإن تنفيذ هذا الاتفاق هو الخطوة الأولى نحو استعادة الثقة بين لبنان وجيرانه.

ختاماً،في ضوء هذه الحقائق، يبقى من الأهمية بمكان أن يتحمل لبنان مسؤولياته الكاملة في تنفيذ القرارات الدولية وتعزيز علاقاته مع سورية بطريقة مسؤولة. لكن من المهم أيضًا أن نتذكر أن هذا لا يعني مطلقًا قبول الفوضى أو استمرار تدخلات الأطراف الأجنبية في شؤوننا. الأمن السيادي والسيطرة على الحدود جزء أساسي من استقرار لبنان، ولا مجال لأي استهانة بهذا الملف.

إن لبنان بحاجة اليوم إلى خطاب سياسي واقعي بعيدًا عن التشويش والتضليل، والوقت قد حان لتحويل الاتفاقات التي تم التوصل إليها إلى واقع ملموس يساهم في تحقيق الأمن والاستقرار لكل اللبنانيين.

اخترنا لك