البلديات في لبنان : بين التحديات والإصلاحات لضمان تنمية محلية مستدامة

بقلم كوثر شيا

تُعتبر البلديات في لبنان العمود الفقري للإدارة المحلية، إذ تلعب دورًا أساسيًا في تسيير شؤون المواطنين وتأمين الخدمات الأساسية لهم. ومع اقتراب الاستحقاق الانتخابي البلدي، يبرز السؤال حول مدى قدرة البلديات على القيام بدورها في ظل الأزمات المتراكمة، وما إذا كانت الإصلاحات المطروحة كافية لضمان حوكمة محلية فاعلة تلبي احتياجات المجتمع.

شهد لبنان بتاريخ 25 آذار 2025 تقديم اقتراح قانون معجل مكرر من قِبَل النائبين مارك ضو ووضاح الصادق لضمان الممارسة الانتخابية السليمة في الانتخابات البلدية والاختيارية، مع مراعاة التحديات الأمنية والاقتصادية التي قد تعيق المشاركة الديمقراطية في بعض المناطق، لا سيما تلك التي تعرضت لأضرار جسيمة بسبب العدوان الإسرائيلي الأخير. هذا القانون يفتح باب النقاش حول ضرورة تطوير النظام البلدي وتعزيز اللامركزية لمواكبة التغيرات الاجتماعية والاقتصادية.

ما هي البلدية؟ وما هو دورها؟

البلدية هي سلطة محلية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري، وفقًا للمرسوم الاشتراعي 118/1977. وهي مسؤولة عن إدارة شؤون القرى والمدن، وتأمين الخدمات الأساسية للمواطنين، وتنفيذ المشاريع الإنمائية، وتخضع لمراقبة وزارة الداخلية والبلديات.

1- مهام البلدية الأساسية

تُناط بالبلدية مسؤوليات رئيسية تشمل:
• التخطيط العمراني: وضع المخططات التنظيمية وتنظيم البناء وفق المعايير الهندسية والقانونية.
• تأمين الخدمات العامة: مثل المياه، الكهرباء، النظافة، الصرف الصحي، الطرق، والإنارة العامة.
• إدارة المرافق المحلية: كالحدائق، الأسواق الشعبية، مواقف السيارات، والمرافق الرياضية.
• التنمية الاقتصادية: دعم المشاريع الصغيرة، وتشجيع السياحة، وتعزيز الاستثمارات المحلية.
• المحافظة على البيئة: عبر تنظيم إدارة النفايات، وحماية المناطق الخضراء، والتخفيف من التلوث.
• إدارة الأزمات والكوارث: من خلال وضع خطط طوارئ لمواجهة الأزمات مثل الفيضانات والحرائق والكوارث الطبيعية.

المجلس البلدي: السلطة التشريعية والتنفيذية المحلية

يتألف المجلس البلدي من عدد من الأعضاء المنتخبين، ويُحدد عددهم وفق حجم البلدة أو المدينة. وهو الجهة المسؤولة عن وضع السياسات العامة وإقرار المشاريع التنموية، بينما يتولى رئيس البلدية تنفيذ هذه السياسات وإدارة الشؤون اليومية.

1- صلاحيات المجلس البلدي
• وضع الموازنة السنوية للبلدية والإشراف على تنفيذها.
• إقرار الخطط والمشاريع التنموية وإطلاق المبادرات الاقتصادية والاجتماعية.
• إصدار الأنظمة المحلية المتعلقة بالتنظيم المدني والتراخيص والضرائب البلدية.
• مراقبة أداء رئيس البلدية واتخاذ القرارات المناسبة لضمان حسن الإدارة.

2- صلاحيات رئيس البلدية
• تنفيذ قرارات المجلس البلدي وإدارة شؤون البلدية.
• تمثيل البلدية أمام القضاء والجهات الحكومية.
• توقيع العقود والتراخيص التي تصدر عن البلدية.
• السعي للحصول على تمويل لمشاريع البلدية عبر الشراكات المحلية والدولية.

دور المجتمع المحلي والجمعيات الأهلية في العمل البلدي

تلعب الجمعيات الأهلية والمجتمع المحلي دورًا محوريًا في دعم البلديات من خلال:
• المشاركة في التخطيط عبر تقديم اقتراحات ومبادرات تنموية.
• الرقابة على أداء البلديات لضمان الشفافية والمحاسبة.
• تنفيذ مشاريع مشتركة مع البلديات، خاصة في مجالات البيئة والتعليم والصحة.
• تعزيز المشاركة الشبابية والنسائية في صنع القرار البلدي.

ومن الضروري أن تتبنى البلديات نهجًا تشاركيًا يتيح للمواطنين الانخراط في عملية التنمية المحلية، بدلًا من الاكتفاء بالدور الإداري التقليدي.

تحديات البلديات في لبنان

تواجه البلديات اللبنانية تحديات كبيرة تعيق عملها، أبرزها:
• ضعف التمويل وتأخر تحويلات الصندوق البلدي المستقل.
• النزاعات السياسية التي تعرقل تنفيذ المشاريع.
• غياب التخطيط الاستراتيجي وضعف القدرات الإدارية.
• انتشار الفساد والمحسوبيات داخل بعض المجالس البلدية.
• غياب سياسات بيئية مستدامة لمعالجة النفايات والتلوث.

اقتراح القانون الجديد وتعديل النظام البلدي

في خطوة لرفع مستوى العملية الديمقراطية وضمان انتخابات بلدية أكثر تمثيلًا وعدالة، تقدم النائبان مارك ضو ووضاح الصادق باقتراح قانون يهدف إلى معالجة التحديات القائمة، وخاصة في المناطق المتضررة من الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة.

1- أبرز التعديلات التي يتضمنها القانون
• تعديل نظام الانتخاب في البلديات الكبيرة (18 عضوًا فأكثر) ليُصبح وفق النظام النسبي بلوائح مغلقة.
• فرض كوتا نسائية لا تقل عن الثلث لضمان تمثيل المرأة في المجالس البلدية.
• اعتماد التصويت الإلكتروني للمقيمين في القرى المدمرة، استنادًا إلى تجربة انتخابات المغتربين عام 2022.
• تأجيل الانتخابات البلدية حتى 31 تشرين الأول 2025 لإعطاء الوقت الكافي للتحضير الجيد.
• تمديد ولاية المجالس البلدية القائمة لضمان استمرارية العمل البلدي حتى إجراء الانتخابات.

2- أهمية هذه الإصلاحات
• تعزيز التمثيل النسائي والشبابي في المجالس البلدية.
• تحقيق عدالة أكبر في التمثيل عبر النظام النسبي.
• تسهيل مشاركة الناخبين المتضررين من الحرب في الجنوب والبقاع الشمالي.
• تحسين أداء البلديات عبر وضع أسس أكثر شفافية وفعالية للإدارة المحلية.

الانتخابات البلدية: محطة أساسية للتغيير

تشكل الانتخابات البلدية المقبلة فرصة مهمة لإعادة تقييم النظام البلدي وإدخال إصلاحات حقيقية تُمكن البلديات من أداء دورها بفعالية. ومن هنا، لا بد من التركيز على:
1. وضع برامج انتخابية إنمائية واقعية وقابلة للتطبيق.
2. ضمان مشاركة الشباب والنساء في إدارة الشأن المحلي.
3. تعزيز دور البلديات في التنمية الاقتصادية والبيئية.
4. إشراك المجتمع المدني في عملية اتخاذ القرار البلدي.

خلاصة الكلام

البلديات ليست مجرد إدارات محلية، بل هي نواة التنمية الحقيقية في أي مجتمع. لذا، فإن تطوير عملها وإصلاح قوانينها يُشكل خطوة أساسية نحو بناء مستقبل أكثر استقرارًا وإنماءً في لبنان. ومع اقتراب موعد الانتخابات البلدية، تبقى العبرة في قدرة المواطنين على اختيار ممثلين أكفاء قادرين على إحداث تغيير حقيقي في الإدارة المحلية، بعيدًا عن المحاصصات السياسية والزبائنية.

فهل تكون البلديات في لبنان قادرة على مواكبة التحديات وتحقيق التنمية المحلية، أم تبقى رهينة الأزمات السياسية والمالية؟

اخترنا لك