صواريخ الجنوب وخلايا السيدة زينب

بقلم سناء الجاك

لم ينقص لبنان إلا غارة إسرائيلية تحذيرية على منطقة الحدث ليكتمل مشهد الرعب، مع مسارعة الأهالي لسحب أولادهم من المدارس، واستعادة الأشهر الماضية برعبها، لأن هناك من لم يحسبها جيداً، فأطلق صواريخه من الجنوب نحو إسرائيل.

هذا من دون أن نتجاهل ما يحصل شرقاً وشمالاً، مع تشدد الدولة السورية حيال ما تعتبره انتهاكات “حزب الله” لسيادتها، إن على الحدود التي شهدت أياماً ملتهبة، أو في الداخل، وصولاً إلى إطلاق حملة أمنية في منطقة السيدة زينب بريف دمشق استهدفت خلايا، قالت وزارة الداخلية السورية إنها تابعة لـ”الحزب”، وكانت “تخطط لتنفيذ عمليات إجرامية”.

وإزاء هذا النزيف الأمني، لا يزال رئيسا الجمهورية جوزاف وعون والحكومة نواف سلام يفضلان التمسك بمعايير دقيقة لحفظ التوازن بين الوفاء بخطاب القسم والبيان الوزاري، لجهة حصرية السلاح بيد الدولة وانتهاء مفاعيل معادلة “جيش، شعب، مقاومة”، وبين تجنب المواجهة مع “حزب الله”، ربما بانتظار انقشاع الرؤية المتعلقة بالتطورات في المنطقة من تل أبيب إلى إيران وفق تقاطع المصالح أو تشابكها دولياً وإقليمياً.

وفي حين ينفي “الحزب” علاقته بالصواريخ، ويصمت حيال “عمليات التنظيف” المتواصلة للنظام السوري الجديد، يحمِّل الطرفان السوري والإسرائيلي الحكومة اللبنانية المسؤولية المباشرة عن “سلوكيات الحزب” التي تشكل الذريعة الفضلى لاستمرار الاعتداءات الإسرائيلية، كما تؤدي إلى توتير العلاقات اللبنانية السورية، ما استوجب رعاية سعودية لإزالة التشنج في العلاقات بين البلدين الجارين.

لكن الواضح، أن جهود الدولة لا تلتقي مع الواقع، مما يولِّد مناوشات وانتكاسات وحروب صغيرة قد تصبح كبيرة، وتعيق دوران عجلة العمل الحكومي، التي لن تحصل بكبسة زر.

فكل ما يحصل، ويشكل في حيثياته رسائل لا صدفة في تزامنها مع زيارة الرئيس عون إلى باريس، ومحادثته المرتقبة مع الرئيس السوري أحمد الشرع، وكأن حفلة كِباش لحشر الدولة اللبنانية بين المصالح الإيرانية الساعية إلى تحسين أوراقها التفاوضية مع الولايات المتحدة، وبين فرض إسرائيل شروطها بالنار وإقدامها على قضم الأراضي اللبنانية والسورية، أيضاً لتحسين أوراقها، ودفع الدولتين إلى تطبيع يوافق مصالحها.

ولعل ما يحصل يؤكد أن إبقاء لبنان ساحة تجارب بين ذريعة إطلاق الصواريخ من جهة، وخلايا مقام السيدة زينب، له تبعاته التي لم تعد تنفع فيها المسكنات.

ولا وسيلة للخروج من حقل الألغام إلا ببسط الدولة سيادتها، فلم يعد مقبولاً انتظار الظروف المناسبة ليقتنع “حزب الله” فعلاً لا قولاً، بسحب خلاياه، إن من مقام السيدة زينب أو من جنوب لبنان ليوقف نزيف “الشهداء” والاقتصاد والأمن، ويسلِّم ترسانته العسكرية للجيش، فتتمكن الدولة اللبنانية من سحب الذريعة، سواء لجهة ترتيب العلاقات مع الدولة السورية، أو لجهة طلب المساعدة الدولية لانسحاب إسرائيل من لبنان.

فترة السماح انتهت على ما يبدو.. والموقف مفتوح على احتمالات مخيفة.. وليست فقط تحذيرية..

اخترنا لك